تاريخ النشر 25 فبراير 2018     بواسطة البروفيسور حامد سعيد حبيب     المشاهدات 447

تشوهات خلقية في ممرات الهواء

تحدث تَشَوُّهاتُ خِلْقِيَّةُ في ممرات الهواء، بسبب عيوب في المبنى أو بسبب خلل بأداء ممرات التنفس، ومن الممكن تواجد هذه التشوُّهات على طول ممرات (قنوات) التنفس، بدءًا بالأنف وحتى ممرات التنفس الصغيرة جدًّا في الرئتين. تكون الانسدادات نتيجة لاضطراب بتطُّور أنبوب ممرات الهواء (التنفس). يظهر الاضط
راب ببقاء بعض المناطق ضيقة، الأمر الذي يشكل عائقًا على حركة الهواء الحرة. يمكن أن تظهر التشوهات الخلفية في ممرات الهواء بدرجات حدة مختلفة، وبذلك يكون العلاج ملائمًا لكل تشوه على حدة.
يتطرق البحث أدناه للتشوهات الأساسية فقط، وبحسب ترتيب ظهورها (مكانها)، من الخارج للداخل:
الأنف: تطور غير كامل لممر الهواء، يترافق بانسداد عظمي كامل لممر الهواء في الأنف (رَتْقُ قِمْع الأنف - Choanal atresia)، يسبب صعوبات تنفس بدءًا من موعد الولادة، ولكون الرضع صغارًا فهم غير قادرين على التنفس من الفم.
العلاج: فتح الانسداد بواسطة جراحة.
الحنجرة: يمكن تواجد العديد من التشوهات في منطقة الحنجرة. وهي تصنف لتشوهات فوق فتحة الحنجرة (فوق الأوتار الصوتية)؛ في فتحة الحنجرة؛ في الحنجرة نفسها تحت الأوتار. إن الأمر المميز لكل هذه التشوهات، هو وجود تضيق بنيوي أو أدائي (من حيث المبنى أو الآداء) في منطقة الحنجرة، مما يؤدي لمرور الهواء بممر ضيق عند توجهه نحو الرئتين، يتصاحب الاضطراب مع ضجة وصفير وقت استنشاق الهواء، يسمى صريرًا شهيقيًّا (Inspiratory stridor). تكون الضجة خفيفة وغير دائمة في الحالات السهلة، أما في الحالات الصعبة فتكون قوية وتترافق بصعوبات تنفس (ضيق تنفس) وصعوبات عند الأكل.
فوق فتحة الحنجرة: إن السبب الأكثر انتشارًا للصرير الخِلقي، يسمى "تَلَيُّن الحُنْجرة" (Laringomalacia) وهو عبارة عن غَضاريف (جمع غُضْروف) لينة وغير مكتملة النمو، للمبنى الموجود فوق فتحة الحلق. تبقى الغضاريف اللينة، في الوضع السليم، راسخة وثابتة عند استنشاق الهواء، ولكنها تطوى نحو الأعلى لداخل الفتحة، في حالة تَلَيُّن الحُنْجرة، وبهذا تضيقه وأحيانًا حتى تسده، مؤدية للضجة النموذجية للصرير. تتلاشى هذه الظاهرة مع التقدم في العمر وتختفي كليَّا بشكل عام، في جيل السنة إلى سنتين.
العلاج: لا تكون هناك حاجة للعلاج، في معظم الأحيان. يكون العلاج بواسطة الجراحة في الحالات الصعبة.
فتحة الحنجرة: تتحرك الأوتار الصوتية في الوضع السليم وقت التنفس، حيث إنها تُفْتح عند استنشاق الهواء، سامحة للهواء بالدخول للرئتين. يَمْنع شلل الأوتار فتحها، مما يبقيها في وضع وسطي سادَّةً لفتحة الحلق (صورة 2). تبقى مساحة ضيقة بشكل عام، تسمح بالتنفس الجزئي، لحين تلقي العلاج الطبي. يكون الشلل أحيانًا، أُحاديَّ الجانب ويظهر كضجة عند الاستنشاق وبحّة. إنه في حالات الشلل التي يكون مصدرها مشكلة في الأعصاب المُعَصَّبَة (مزودة بالأعصاب) للأوتار الصوتية، والواصلة من الفقرات الرقبية (Vertebrae cervicales) وجِذع الدماغ (Truncus encephali). فإن المرض أو التشوُّه في هذه المناطق، هو أحد أسباب شلل الأوتار. يمكن أن يتلاشى الشلل مع الوقت بشكل كامل أو جزئي.
يوجب علاج الشلل ثنائي الجانب لوتري الصوت، بشكل عام، القيام بفتح فتحة للتنفس، مباشرة من الجلد للقصبة الهوائية، وبذلك الالتفاف عن الأوتار الصوتية من الأسفل (القصبة الهوائية، فَغْرُ الرُّغامَى – Tracheostomy).
منطقة الحنجرة ومحيطها: كيسات (Cysts)، أغشية، أورام وعائية، تَضَيُّقات وانسدادات: يمكن تواجد هذه التشوهات فوق فتحة الحنجرة، على فتحة الحنجرة، وتحت الأوتار أيضًا، كما أنها من الممكن أن تتواجد في القصبة الهوائية نفسها.
إن الكيسات هي نَفَطات (بثور) صغيرة مليئة بالسائل. أما الأورام الوعائية فهي تكتلات صغيرة مركبة من أوعية دموية، مُتراصَّة، ومن الممكن ظهورها في أي مكان من الجسم. تظهر على سطح الجلد كبقع مسطحة أو بارزة بلون أحمر. من الممكن لهذه التكتلات أن تنمو، ولا تختفي إلا بعد مرور أشهر أو سنوات. قد تؤدي الأورام الوعائية عند تواجدها في ممرات التنفس لسد الفراغ فيها، وبذلك إعاقة تقدم الهواء للرئتين. كما هو الأمر على الجلد فمن الممكن أيضا أن تنمو الأورام الوعائية الموجودة في ممرات التنفس مؤدية لتفاقم الانسداد.
علاج: تتراجع بعض الأورام الوعائية بعد العلاج بالإستريوئيدات. قد يحتاج علاج باقي تشوهات  إجراء جراحة.
القصبة الهوائية: إن القصبة الهوائية هي أنبوب تنبع صلابته من الحلقات الغضروفية المُثَبِّتَة له. تكون هذه الحلقات مفتوحة (غير كاملة) – وهو مبنى يسمح بالنمو (صورة 3). توجد هناك العديد من التشوهات المعروفة، والتي قد تتواجد في القصبة الهوائية؛ والأمر المشترك بينها جميعا هو تَضَيُّق موضعي قصير أو طويل. يمكن أن يكون التضيّق ثابتًا، في مرحلة استنشاق الهواء للرئتين، وفي مرحلة زفيره للخارج، ولكن قد يكون التضيُّق جزئيًّا ويؤثر على مرحلة واحدة فقط، بحسب مكان تواجده في القصبة. عند تواجد التضيُّق عاليًا، يكون الاضطراب وقت الشهيق، أما إذا كان التضيُّق منخفضًا نسبيًّا في القصبة، فعندها سيظهر كاضطراب عند الزفير. إن العَرَضَ السَّريريَّ هو ضجة تنفسية ثابتة. أي ضجة يمكن سماعها دائمًا. هناك العديد من الأعراض السريرية المشروطة بحدة التشوه، بدءًا بضجة خفيفة تسمع في فحص الطبيب بمساعدة السماعة (Stethoscope) وصولاً لضجة تنفسية تسمع من بعيد. قد تظهر كذلك مِحْنَة تنفسية وعدم قدرة على التنفس، مع توقف تنفس خطر مترافق بازرقاق بسبب نقص الأكسجين. من الممكن أن تترك الحالات الأخيرة ضررًا.
تنقسم التشوهات في القصبة الهوائية إلى مجموعتين:
أ. اضطراب بمبنى جدار القصبة.    ب. ضغط خارجي على القصبة.
التشوهات الأساسية في المجموعة (أ) هي:
تليّن الرُّغامى (Tracheomalacia): هو ضعف الغُضْروف في جدار القصبة الذي يكون معرضًا للانسداد (انْخِماص – Atelectasis) عند الزفير وخصوصًا الزفير بجهد، بسبب ضغط الرئتين المليئتين بالهواء على القصبة الهوائية من الخارج وقت الزفير (صورة 4). يكون هذا التشوه في العادة ثانويًّا لتشوهات أخرى مثل الضغط الخارجي للأوعية الدموية أو الناسور (Fistula)، وهو وَصْلَة بين القصبة والمريء. يمكن، في حالات نادرة، أن يكون تليّن الرُّغامى خِلقيًّا ودون مُسَبِّبٍ أولي.
العلاج على الأمد الطويل: يكون بالمتابعة فقط وصولاً لتصحيح الحالة جراحيًّا وبمساعدة مُثبِّتات (داعمات) داخل القصبة.
تَضَيُّق القصبة: هو كون حلقات القصبة مغلقة، كاملة، عدم نمو فراغ القصبة بشكل يتلاءم مع نمو الجسم وجهاز التنفس، كل هذه الأمور تؤدي لتضيُّق صعب مشكلاً خطرًا على الحياة.
العلاج: يصعب علاج هذا التشوه حتى مع توفر الجراحة.
ناسور قصبة - مريء: هو وَصْلَة (قناة) بين الأنبوبين المتقابلين بعضهما لبعض (القصبة، المريء). إن أصل  تواجد الوصلة هي تشوه. قد ينتقل محتوى المريء، (عادة طعام) يمر وقت الأكل عن طريق المريء ليصل المعدة، أو طعام في المعدة وعُصارَة مَعِدِيَّة ترتفع من المعدة للمريء (مثلا عند التقيؤ (الإرجاع) عند الأطفال)، عن طريق الوصلة ليصل القصبة الهوائية ومنها للرئتين، مسببًا تلوثات، التهابات رئوية متكررة وتضرر الرئتين.
العلاج: يستلزم التشوه علاجًا جراحيًّا. يمكن أن تبقى منطقة لينة وضعيفة (تليّن رُغامي)، في منطقة اتصال القصبة بالمريء.
ب. ضغط خارجي على القصبة: تكون الأوعية الدموية في معظم الأحيان، هي المسبب للضغط الخارجي على القصبة؛ ومن الممكن أن يكون الضغط بسبب كيسات (Cysts) أو تكتلات وأورام في الصدر.
العلاج: لا تتطلب كل الضغوط الخارجية علاجًا، وفي الحالات السهلة يكون هناك تحسن مع الوقت. أما عندما يكون الضغط كبيرًا ويسبب ظهور أعراض بارزة، تكون هناك حاجة للعلاج – وفي الغالب لجراحة.
يتم تشخيص التشوهات الخلفية في ممرات الهواء حسب الانطباع السريري من صورة التنفس، وفقًا لطبيعة الضجة المرافقة (وقت الشهيق أو الزفير أو في كليهما). إن وسيلة المساعدة الأساسية هي النظر داخل ممرات التنفس بواسطة منظار القصبات (Bronchoscope) – وهي عملية تدعى "تنظير القَصَبات" (Bronchoscopy). إن منظار القَصَبات عبارة عن ليف بصري لين، يمكن إدخاله لداخل ممرات التنفس، وصولاً للرئتين، والنظر من خلاله إلى مبنى ممرات التنفس في مراحل التنفس المختلفة. يمكن بهذه الطريقة تحديد المنطقة المتضيِّقة، الضغط الخارجي من الأوعية الدموية (ضغط مترافق مع نبض يدل على كون مُسَبِّبِ الضغط شريانيًّا)، ضعف الجدار، وصلة للمريء، أورام وعائية، كيسات، أغشية ...إلخ. تكون هناك حاجة أحيانًا لإكمال الفحص بمساعدة التصوير: صور سينية خاصة، مسح حاسوبي (CT،MRI) وحتى قثطرة للأوعية الدموية.


أخبار مرتبطة