تاريخ النشر 10 أكتوبر 2018     بواسطة الدكتورة طيبة مرزوق الحربي     المشاهدات 1

تأخُّر البلوغ.

البلوغُ puberty هو الفترةُ التي يصبح فيها الطفلُ شخصاً بالغاً بفعل النمو الجسدي. ويمكن للطفل أن يدركَ بأنَّه يمرُّ بمرحلة البلوغ من خلال التَّغيُّرات التي تطرأ على جسمه. في حالة الأنثى، فإنَّها سوف تلاحظ تنامي حجم الثديين وظهور شعر العانة، وهو ما يتزامن مع حدوث طفرة النمو، كما ستبدأ لديها الدّ
َورة الشهريَّة (الحيض menstruation). وسوف يحدث تغيُّرٌ في الشكل العام للجسم، بحيث يتوسَّع الوركان، وتصبح انحناءات الجسم أكثرَ تمايزاً.
أمَّا في حالة الذكر، فتتزامن طفرةُ أو قفزة النموُّ مع ظهور شعر العانة وشعر الوجه، وزيادة في حجم الخصيتين والقضيب. كما يأخذ شكلُ الجسم في التَّغيُّر أيضاً، بحيث يزداد عرضُ الكتفين وتكتنز عضلاتُ الجسم، وتزداد خشونة الصوت.
وتنجم هذه التغيُّراتُ عن الزيادة الكبيرة في إفراز الهرمونات الجنسيَّة (التستوستيرون Testosteron عند الذكور والإستروجين Estrogen عند الإناث).
تستمرُّ فترةُ البلوغ حتى بضع سنوات، ويختلف السنُّ الذي يبدأ به وينتهي عنده بشكلٍ كبير؛ فهو يبدأ في عمرٍ يتراوح بين 7-13 عاماً بالنسبة للإناث، وبعمرٍ يتراوح بين 9-15 عاماً بالنسبة للذكور، وفي أعمار أقلّ أو أكثر عند بعض الأطفال، وهو أمرٌ طبيعي تماماً.
أمَّا إذا انقضت تلك السنواتُ دون أن تظهرَ على الطفل أيَّة دلائل على حدوث تغيُّراتٍ جسديَّة، فتُسمَّى الحالةُ بتأخُّر البلوغ.
وتُعدُّ الأنثى مصابةً بتأخُّر البلوغ إذا لم تطرأ أيُّ زيادة على حجم ثدييها رغم بلوغها الثالثةَ عشر من العمر، أو لم تحدث لديها الدورة الشهرية رغم بلوغها السادسة عشرة من العمر.
ويُعدُّ الذكرُ مصاباً بتأخُّر البلوغ إذا لم تطرأ زيادةٌ على حجم الخصيتين عنده، رغم بلوغه الرابعة عشرة من العمر.
أسباب تأخُّر البلوغ
قد يتأخَّر البلوغُ لعدَّة أسباب. ويُعزى في معظم الأحيان إلى نمط النمو والتَّطوُّر السائد في العائلة، فقد يُلاحظ أنَّ أحدَ أقارب الطفل قد واجه نفس التأخر في البلوغ أيضاً، وهو في هذه الحالة يُسمَّى بالتأخُّر البِنيَوي constitutional delay، ولا يتطلَّبُ استعمالَ أيِّ نوعٍ من العلاج عادةً. وسوف يحدث البلوغُ في نهاية الأمر، وإن تأخر قليلاً عن باقي الأقران.
ومن جهةٍ أخرى، فقد يكون تأخُّرُ البلوغ ناجماً عن الإصابة بمشاكل صحيَّة؛ حيث يمكن للأمراضٍ المزمنة مثل داء السُّكَّري أو التليُّف الكيسي أو الأمراض الكلوية أو حتَّى الربو أن تؤدِّي إلى تأخُّر حدوث البلوغ، لأنها تعيق تطوُّرَ ونمو الجسم. وفي هذه الحالة، ينبغي علاجُ السبب الرئيسي والسيطرة عليه، فمن شأن ذلك أن يُقلِّلَ من احتمال حدوث التأخُّر في البلوغ.
كما قد يتأخَّر البلوغُ عند الطفل، الذي يُعاني من سوء التَّغذية، عن أقرانه الذين يتوفر لهم نظام غذائي صحي ومتوازن؛ فمثلاً، يفقد المراهقون الذين يُعانون من القهم العُصابي Anorexia nervosa الكثيرَ من أوزانهم، بما يعيق نموَّ أجسامهم بشكلٍ صحيح. كما قد يتأخَّر البلوغُ عند الفتيات اللواتي يمارسنَ الرياضة بوتيرة عالية، لأنَّ ذلك سيؤدِّي إلى تدنِّي نسبة الشحوم في أجسادهن، والدُّهون مكوّنٌ ضروري للجسم كي يتهيَّأ للدخول في مرحلة البلوغ وبَدء الحيض.
كما قد يتأخُّر البلوغُ أيضاً نتيجةً لوجود مشاكلَ في الغدَّة النُّخاميَّة أو الغدَّة الدَّرقيَّة، حيث تُنتج هذه الغددُ الهرمونات اللازمة لنموِّ وتطوُّر الجسم.
لا يبدأ حدوثُ الحيض عند الإناث في بعض الأحيان، لأنَّ الرَّحمَ والمهبل لم يتخلَّقا بشكلٍ كامل، أو بسبب فرط مستويات هرمون البرولاكتين Prolactin، وقد يكنَّ مُصاباتٍ بحالةٍ تُسمَّى متلازمة المبيض متعدِّد الكيسات polycystic ovary syndrome (PCOS).
كما قد يُعاني بعضُ الأطفال الذين لا يدخلون في مرحلة البلوغ في الوقت الطبيعي من مشاكلَ في صبغيَّاتهم، بحيث إنَّ مشاكلَ الصبغيَّات قد تتداخل مع سير النمو الطبيعي لديهم.
تعدُّ متلازمةُ تيرنر Turner syndrome مثالاً للاضطراب الصبغي. وتحدث هذه الحالةُ عندما يكون أحد صبغيّي الأنثى X شاذّاً أو مفقوداً. ويُسبِّبُ هذا مشاكلَ في طريقة نموِّ الفتاة وتخلُّق المبيضين وإنتاج الهرمونات الجنسيَّة. ويكون طولُ النساء اللواتي يُعانينَ من متلازمة تيرنر غير المُعالَج أقصرَ من المعتاد، وغالباً ما يكنَّ عقيماتٍ، وقد يُعانينَ من مشاكل صحيَّة أخرى.
بينما يُولَدُ الذكورُ المُصابون بمتلازمة كلينيفيلتر Klinefelter syndrome ولديهم زيادة في الصبغي X  (XXY بدلاً من XY). ويمكن لهذه الحالة أن تُبطئ  من التطوُّر الجنسي.
ما الذي يمكن للأطبَّاء أن يقوموا به؟
النبأُ السارُّ هو أنه بوسع الأطبَّاء مساعدة المراهقين الذين يعانون من تأخُّر البلوغ على تجاوز هذه المشكلة؛ فإذا اشتبه المراهق بأنَّ جسمَه لا ينمو كما ينبغي، فيجب عليه طلب المشورة الطبية.
وسوف يقوم الطبيبُ بإجراء فحص سريري وسؤال المريض عن تاريخه الصحِّي القريب والبعيد، والاستفسار عن أيَّة مخاوف أو أعراضٍ لديه، وعن الوضع الصحِّي لأفراد عائلته وعن الأدوية التي يستعملها وحالات التحسُّس التي قد يُعاني منها، وعن قضايا أخرى مثل أنماط نمو أفراد العائلة. وسوف يقوم الطبيبُ برسم مخطَّطٍ بيانيٍّ لمعرفة ما إذا كان نمطُ النمو يدلُّ على وجود مشكلة، وقد يوصي بإجراء اختبارات دمويَّة لتحرّي المشاكل في الغدَّة الدَّرقيَّة أو النخاميَّة أو في الصبغيَّات أو مشاكلَ أخرى. وقد يطلب الطبيبُ إجراءَ صورة شعاعية لتحديد العمر العظمي للشخص، وذلك لمعرفةَ ما إذا كانت عظامُه تنمو بشكلٍ طبيعي أم لا.
قد يكون تأخُّرُ البلوغ ناجماً عن مشكلة طبية، ويكون سببُه نمط النمو البطيء قليلاً لا أكثر؛ فإذا وجد الطبيبُ مشكلةً بالفعل، فسوف يقوم بتحويل الحالة إلى اختصاصي الغدد الصمَّاء عند الأطفال، وهو طبيبٌ متخصِّصٌ في علاج الأطفال والمراهقين الذين يُعانون من مشاكل في النمو، أو أن يُحوِّل الحالة إلى طبيبٍ اختصاصيٍّ آخر لإجراء المزيد من الاختبارات أو للعلاج.
قد يجد بعضُ المراهقين، ممَّن يُعانون من تأخُّر البلوغ، صعوبةً في انتظار حدوث التغيُّرات المرافقة للبلوغ، حتى بعدَ طمأنة الطبيب لهم بأنَّ الوضع طبيعي. وفي هذه الحالة، قد يقوم الطبيبُ في بعض الحالات بوصف برامج علاجية قصيرة الأمد (لبضعة أشهر عادةً) بأدوية هرمونيَّة للحصول على تغيُّراتٍ تُشير إلى بدء حدوث البلوغ. وبعد التوقُّف عن استعمال الهرمونات الصناعية، سوف تَحِلُّ محلها الهرمونات الطبيعية التي يُنتجها المراهق، وذلك لإتمام عمليَّة البلوغ.
يمكن للإناث استعمال حبوب هرمون الإستروجين Estrogen  أو اللُّصاقات الجلديَّة، بينما يستعمل الذكورُ حقنَ التستوستيرون Testosterone. وقد يحتاج البعض إلى استعمال العلاج الهرموني لفترة زمنيَّة طويلة إذا لم تكن أجسامهم قادرة على إنتاج كميَّاتٍ طبيعيَّةٍ من هرمون الإستروجين أو التستوستيرون.
قد يحتاج بعضُ المراهقين إلى إجراء تصويرٍ للدماغ (مثل التصوير بالرنين المغناطيسي MRI) للتحقُّق من وجود مشاكل في الغدة النخاميَّة. بينما قد تحتاج الإناث إلى إجراء تصوير بالإيكو (التصوير بالأمواج فوق الصوتيَّة) لمعرفة مدى تطوُّر الرحم والمبيضين.
التعامل مع تأخُّر سنِّ البلوغ
قد يكون من الصعب جداً على المراهق (أو المراهقة) مشاهدة أقرانه يكبرون ويمتلكون علامات البلوغ، في حين لا يزال يبدو هو طفلاً (أو طفلةً) ، وقد يشعر كما لو أنَّه لن يلحق بركبهم أبداً؛ فضلاً عن أنَّ عدمَ امتلاك الطفل لعلامات البلوغ قد تجعله عرضةً لسخرية زملائه في المدرسة وتهكُّمهم. وحتى لو قام الطبيبُ أو أهل الطفل بطمأنته من أنَّ وضعه طبيعي، وأنَّ المسألة هي مسألة وقت وحسب، فقد لا يكون ذلك كافياً لتهدئة باله، رغم اقتناعه بما يقولون.
ينبغي على المراهق، عندَ الشعور بالاكتئاب أو تعرُّضه لمضايقات من زملائه في المدرسة أو معاناته من مشاكل أخرى مرتبطة بتأخُّر النمو والتَّطوُّر، أن يتحدَّثَ إلى والديه أو طبيب الأسرة أو أيّ شخصٍ بالغٍ موثوق كي يساعده على الحصول على استشارة طبية بشأن حالته، ودعمه نفسياً كي يتمكَّنَ من التغلُّب على قلقه ومخاوفه.
تأخُّرُ البلوغ هو حالةٌ من الصعب على المراهق تقبُّلها والتعامل معها، ولكن ينبغي على عليه أن يدركَ بأنها مشكلةٌ قابلة للحل عادةً، وأنه سيلحق في النهاية بركب أقرانه.


أخبار مرتبطة