تاريخ النشر 13 اغسطس 2020     بواسطة الدكتور علي محمد زائري     المشاهدات 1

الأمراض النفسية للمرأة والرجل.. «فتّش» عن الاحباط

«القلق» و«الإكتئاب» و«الوسواس القهرى» أمراض لها علاقة بالوسط المحيط ب «الجنسين» رغم كل الأخبار التي تبث بين فترة وأخرى عبر وسائل إعلام مختلفة حول الأمراض النفسية التي تصيب المرأة وأنها تحتل المراكز الأولى في الإصابة بالمرض النفسي، إلا أننا لم نجد بحثا متخصصا واحدا يؤكد أو ينفي هذه الأخبار.

وبما أن الرجل لا يبتعد كثيراً عن المرأة من حيث تأثره بالمحيط الذي يعيش فيه، وبالتالي تعرضه للإحباط أو بعض الضغوط، إلا أن الأسباب ربما تكون مرتبطة بالظروف الاجتماعية التي يعيشانها -الرجل والمرأة-، وبالتالي إصابتهم ب»القلق» والاكتئاب» و»الرهاب الاجتماعي» و»الوسواس القهرى»، الأمر الذي يتطلب مناقشة الموضوع مع أهل الخبرة من النفسيين للوقوف على أفضل الطرق لضمان معيشة أفضل و»هانئة»، وبعيداً عن الأمراض النفسية.

اكتئاب نفسي
يقول «د.محمد شاووش» -استشاري الطب النفسي نائب رئيس الجمعية السعودية للطب النفسي-: تنتشر الأمراض النفسية بين النساء بشكل أكبر من الرجال، مضيفاً أنه تشير دراسات البنك الدولي أن الاكتئاب النفسي سيتحول إلى المرتبة الثانية بين عموم الأمراض، وأنه سيحتل المرتبة الأولى في النساء والرابعة عند الرجال.

وذكر «د.علي زائري» -استشاري طب نفسي في مركز النخيل الطبي بجدة- أن الأمراض النفسية تصيب المرأة أكثر من الرجل على مستوى العالم، وقد تزيد أكثر بين النساء اللائي لا يوجد لديهن استقلال مادي، أو اللاتي يعتمدن بشكل كبير على الرجل في قضاء احتياجاتهن اليومية، الأمر الذي قد يحرم الكثيرات من الراحة المادية والمعنوية بسبب استغلال الرجل لسلطته.

زيادة ملحوظة
وأوضح «د.عبد العزيز الناهض» -استشاري أمراض نفسية متقاعد- أنه ما يستنتج من خبرة الكثير من الأطباء النفسيين أن هناك زيادة ملحوظة في الأمراض النفسية عامة وبالذات التي لا ترى؛ لأنها تظهر كأعراض مرضية نمطية مثل آلام البطن والصداع والظهر، وأحياناً الإغماء.

وبالنسبة لأكثر الأمراض النفسية التي تصيب المرأة في المملكة أشار «د.شاووش» إلى أنها تتمثل في الاكتئاب والقلق والأمراض الجسدية نفسية المنشأ، وأضاف «د.الناهض»: التوتر و»الرهاب الاجتماعي» و»الوسواس القهرى»، هذه الأمراض لها علاقة واضحة بالأحوال الاجتماعية المحيطة بالمرأة.

الأمومة والتوتر
وعن الأعمال التي تصاب ممتهناتها بالأمراض النفسية أكثر من غيرهن قال «د.زائري»: هي الأعمال التي يوجد بها نسبه عالية من التوتر النفسي أو العمل لساعات طويلة، مما يسبب لها تعارضا في رعاية أطفالها وعدم التواجد في المنزل وقت احتياج عائلتها لها، مبيناً أن أكثر الأعمال التي تسبب ضغطا نفسيا هي «الأمومة» والتي تكلف المرأة انتباها وحرصا لمدة (24) ساعة في اليوم.

وقال «د.الناهض»: أعتقد أن المرأة المتزوجة غير المتعلمة والمطلعة وغير الموظفة والتي تسكن القرية، هي أكثر النساء تعرضاً للإصابة بالأمراض النفسية؛ لأنها أكثر النساء بُعداً عن مراكز العلاج والرعاية الاجتماعية، مشيراً إلى أن هناك بعض الأمراض التي قد تصاب بها المرأة بسبب الأوضاع الاجتماعية، وعندما تكون ذات منحنى غير طبيعي مثل التعرض للعنف الأسرى أو النفسي أو التحرش الجنسي، أو التهديد المتواصل من الزوج أو أي شخص من الأقارب.

عوامل اجتماعية
أما ما يصيب المرأة من أمراض نفسية بسبب الأوضاع الاجتماعية فأشار «د.شاووش» إلى أن هناك عوامل اجتماعية مهيأة للمرض النفسي، ك»الطلاق» و»الترمل» و»العنوسة»، إلى جانب وجود عدد كبير من الأطفال، خصوصاً تحت سن الرشد، بالإضافة إلى الخلافات الأسرية وعدم وجود الدعم النفسي والاجتماعي، مبيناً أنه لا يوجد دراسات تفرق في نسبة الإصابة بالأمراض بين المتعلمات أو الموظفات أو السكن في القرية أو المدينة في البيئة.

 
د. علي زائري
ورأى «د.زائري» أن الوضع الاجتماعي للمرأة يجعلها تحت مستوى عال من الضغط النفسي؛ بسبب وضعها تحت المجهر وسهولة تعرضها للنقد من العائلة، بالإضافة إلى ارتفاع مستوى توقعات الخطأ منها وعدم التسامح أو الغفران في حالة خطئها.

مستقبل معقد
وحول وضع المرأة النفسي مستقبلاً في ظل التغيرات الاجتماعية الحالية أكد «د. شاووش» على أن الأمور ستصبح أكثر تعقيداً، والظروف الاجتماعية والنفسية والتفكك الأسري والاجتماعي سيجعل المرأة أكثر تعرضاً للأمراض، بل وأكثر قابلية للمضاعفات النفسية. وأوضح «د.زائري» أن الوضع النفسي للمرأة في مجتمعنا مستقبلاً أفضل من الوقت الحالي، وذلك نتيجة الإصلاح الاجتماعي المتواصل، وإدراك المجتمع العالمي والمحلي ضرورة إعطاء المرأة نصيبها في الحياة بصوره كريمة.

وقال «د.الناهض»: أنا شخصياً لا أجد أي مخرج من الدائرة الحالية والمغلقة لوضع المرأة الواجب تغييره، إلا عند وجود شرطين مهمين الأول: هو وجود الإرادة السياسية الفاعلة التي تتوجه إلى تغيير جدى وحقيقى سريع، والشرط الآخر: هو الحد من تأثير الأصوات التي تدعو إلى عدم تغيير الأمور وإبقاء المرأة حبيسة المنزل، مثمناً القرارات التي صدرت حديثاُ من خادم الحرمين الشريفين والداعية إلى تحسين أوضاع المرأة وإشراكها في الحياة السياسية والإدارية في المملكة.

المرأة والرجل
وعن علاقة المرأة بالرجل وانعكاس هذه العلاقة على الصحة النفسية للمرأة قال «د. شاووش»: الرجال يختلفون في طبائعهم وطرق تعاملهم، والرجل كغيره ليس له طبيعة خاصة أو وحشية تجاه المرأة.

ورأى «د. زائري» أن الرجل هو مشكلة المرأة في كل المجتمعات قائلاً: أنا أتحدث عنه كزوج، والسبب أن الرجل يسند الكثير من مسؤولياته إلى المرأة ويتهرب من مشاركتها في تربية الأطفال أو رعاية متطلبات المنزل، مبيناً أن الرجل في مجتمعنا ينقسم إلى نوعين: «الرجل التقليدي» وهو الذي لا يستطيع أحد مناقشته أو الحوار معه، و»الرجل المثقف» وهو الذي لا يرى المرأة تابعا له، بل يراها امتدادا له ويشعر بسعادة في تقدمها ونجاحها. وأكد «د.الناهض» على أن الأوضاع الاجتماعية السائدة تجعل العلاقة بين الرجل والمرأة هى من المؤثرات الحيوية في حياه المرأة النفسية، ذاكراً أنها تؤثر سلباً إلى حد الإصابة بالمرض النفسي عند وجود أي نزعات قاسية ومتشددة من الرجل تجاه المرأة.

الالتزام بحقوقها
وقال «د.شاووش»: إن من الحلول التي يمكن أن تقلل من إصابة المرأة في المملكة بالأمراض النفسية، هو التحول التدريجي والالتزام بحقوقها في ظل المبادئ الدينية المعتدلة والثقافة الوسطية، بما يتفق مع المصالح المشتركة، دون النظر إلى محاكاة أو ثقافات المجتمعات الأخرى التي قد يتعذر قبول المجتمع لها.


وأوضح «د.زائري» أن الحل هو في توفير البيئة الصحية لها، وذلك بتوفير الفرصة أمامها في تحقيق تطلعاتها في المعرفة، وعدم هضم حقها في ممارسة شؤونها الخاصة دون مضايقة من أحد، إلى جانب دعمها النفسي من قبل الأسرة والمجتمع، وإعطائها الفرصة في إثبات وجودها، فهي لا تقل ذكاءاً أو كفاءةً عن النساء في المجتمعات الأخرى.

الأكثر تأزماً
وفيما يتعلق بالرجال ومن هم الأكثر تأزماً بسبب التغيرات الاجتماعية الشباب أم كبار السن؟، أشار «د.شاووش» إلى أن المنظور النفسي يعتبر سن الشباب وخصوصاً المراهقة وما بعدها الأكثر عرضة للأمراض النفسية واضطرابات التكيف والنمو النفسي المضطرب للشخصية، مضيفاً أن الشباب يعتبر أكثر حماساً وتهوراً وأقل خبرة ورشداً، وبالتالي قدرة البالغين الراشدين على التحليل والمنطق والتريث والعقلانية أكثر.

أما «د.زائري» فأوضح أن السن ليس هو عامل التحديد، ولكن القدرة على التكيف والتأقلم هما الأساس، فمثلاً توجد فئات من الشباب المنفتح على الثورة الحضارية الجديدة، ولكنه انفتح بزاوية منفرجة، فبدلاً من أن يتحول من عدم التدخين إلى التدخين على سبيل التقليد -والذي كان يحدث في الماضي في الخفاء-، أصبح هذا الشاب يتعاطى المخدرات، بل ولا يجد حرجاً في معرفة أهله والآخرين!، فهو يراها حرية شخصية وانتقاده تخلف وتزمت، مبيناً أن هذا النوع من الشباب تولدت لديه مشاكل نفسية كبيرة واضطرابات خطيرة وهو في بداية سن الشباب.

كبار السن
وأضاف أن لدى الرجال الأكبر سناًّ معاناتهم الخاصة، فبعضهم تكيف مع الوضع الجديد وحاول مساعدة أفراد أسرته في «قولبة» الحضارة والانفتاح بشكل مقبول متوافق مع الذوق الاجتماعي العام، وبعضهم رفض الانفتاح بأي شكل كان، بل وضيق الخناق على أبنائه ومارس معهم العنف، موضحاً أن بعضهم تركوا الحبل على الغارب وأعطوا الحرية المطلقة، بسبب عدم إلمامهم بالوضع بشكل جيد، مما سبب سوء استخدام لهذه الحرية، وتسبب في تورط الأبناء في سلوكيات وممارسات خارجة عن الخط المستقيم.

وعن الطريقة المثلى ليتمكن الرجل من العيش بحياة نفسية مستقرة ويلبي متطلبات التغيير، أكد «د.شاووش» على أن الرجل في مجتمعنا متحضر وواعي ومدرك للتغيرات المحيطة، واصفاً وجود صراع بين الاتجاهات الفكرية لا يعني أن الأمر سلبي، بل هو مطلوب على أن يكون ملبياً لاحتياجات الإنسان وبعيداً عن الأجندات الخاصة، ذاكراً أن الرجل في مجتمعنا مدرك لذاته وأهميته باعتباره محط أنظار المسلمين جميعاً، بل ومحط أنظار غير المسلمين وهذا يجعل علية مسؤولية عظيمة في أن يحقق المثالية بكل مفاهيمها، وأن يدرك أن التاريخ يضيف للمستقبل، وأن رسم موضع في خريطة البشرية منوط بقدرته على فهمه لذاته أولاً ثم فهمه لما يجب أن يكون عليه ثانياً.

تقليص السلطة
وأكد «د.زائري» على أن أغلب المواطنين تقبلوا الوضع الجديد، ولكن هناك انزعاجا لدى بعض الرجال من تناقص السلطة التي كان يملكها في السابق كمسؤول عن العائلة، فهو الذي كان يقرر كل شيء يخص زوجته وأبناءه من ملبس وتعليم ودخول وخروج، مضيفاً: «عندما وجد نفسه اليوم في وضع يطالبه هؤلاء بإعطائهم الحرية في تقرير مصيرهم، خلق لديه أزمة في تقبل هذا الوضع الجديد، والبعض عانى من القلق النفسي والاكتئاب»، مشيراً إلى أن هناك من أصبح يعاني من الخوف الاجتماعي، وهو الخوف من انتقاد الآخرين له وفضل البقاء بالمنزل!، موضحاً أن العلم والمعرفة والإطلاع والاستفادة من التجارب وعدم رفض الجديد وتحليل الأمور بشكل ايجابي، هي أفضل الطرق للتخلص من الرواسب القديمة والاستقرار النفسي للرجل، بالإضافة إلى الاختلاط بالآخرين دون وصمهم بالمختلفين عنّا، بل والاستفادة من خبراتهم وخبرات المجتمعات الأخرى، إلى جانب تقبل التغيير على أنه جزء من سنن الكون يجب التعامل معه والاستفادة منه، لا رفضه والخوف منه.

لغة الجسد
وعن اختلاف الأمراض النفسية التي قد تصيب الرجال وفقاً للمنطقة الجغرافية، قال «د.شاووش»: الأمراض النفسية المصنفة تصيب الرجال مثل النساء اعتماداً على العوامل الفردية و»البيولوجية» والاجتماعية، وبالتالي يمكن افتراضاً أن ثقافة المجتمع الصغير سواء كانت القبيلة أو الريف أو المدينة ذات تأثير على طبيعة المرض، مضيفاً أن المرض النفسي يتلون ويتشكل وتظهر أوصافه بطرق متباينة، فالأعراض الجسدية والاضطرابات التحولية أو ما يعرف ب»الهيستيريا» في البيئات الأقل ثقافة ووعياً بالجوانب النفسية والقدرة على التعبير وتقبل المجتمع أكثر في نسبتها وحدتها وتشكلها، مشيراً إلى أنه يظل مجتمعنا كغيره من المجتمعات الأقل تحضراً من النواحي النفسية، يعبر بالطرق المفهومة والمقبولة والتي تجد تعاطفا من الآخرين وهي لغة الجسد؛ لأن الشكوى النفسية قد تدل عند البعض على أنها ضعف أو قلة إيمان، وبالتالي الخوف من وصمة المرض النفسي.

	 


أخبار مرتبطة