تاريخ النشر 18 نوفمبر 2020     بواسطة الدكتور ياسر محمد البحيري     المشاهدات 1

طفلي يمشي وقدماه معوجتان!

طفلي يمشي وقدماه معوجتان شكوى كبيرة وشائعة لدى الكثير من الآباء والأمهات يأتون إلى العيادة ليشتكوا للطبيب أن أطفالهم يمشون بوضعية غريبة وأن القدمان ملتفتان إلى الداخل عند المشي وخصوصاً في المراحل الأولية من العمر خلال الفترة الأولى في مرحلة مابعد المشي، وهذه الظاهرة تسبب قلقاً شديداً لدى الآباء
 وخصوصاً الذين يكونون آباء جدد ويكون هذا الطفل الأول أو ثاني لديهم. وسوف نحاول أن نلقي الضوء على هذه الحالة وكيفية تشخيصها وماهي أسبابها وماهو المتوقع عند علاجها.

ما هي المشكلة؟
في الواقع أن الوالد أو الوالدة قد يلاحظون أن الطفل في الأشهر الأولى في مابعد مرحلة المشي يمشي والقدمين ملتفتان إلى الداخل بحيث تتقارب الأصابع ببعضها البعض، هذا الإلتفاف قد يكون شديداً وواضحاً أو قد يكون خفيفاً وغير واضحاً إلا للعين الخبيرة. كما انه عادةً مايصيب الجانبين ولكن قد يكون أكثر في الناحية من الأخرى وبذلك فإن الوالد أو الوالدة يلتطقون الناحية التي هي أكثر ويعتقدون المشكلة فيها، وهذه الحالة قد يتم إكتشافها فيما بعد في سن الثالثة أو سن الرابعة أو السن الخامسة حسب شدتها وحسب قوة ملاحظة الوالدين، وعلى الرغم من أنها مزعجة من الناحية الشكلية إلا أنها ليست لها تأثيرات كبيرة على الناحية الوظيفية إلا إذا كانت الحالة شديدة، في بعض الحالات قد يشكتي الوالدين من أن الطفل لديه صعوبة في الجري أو المشي عند مقارنته بأقرانه وعند اللعب في المدرسة أو أن الطفل يتعثر بكثرة مقارنة ً بالأطفال الآخرين. ولكن في الغالبية العظمى كما ذكرنا سابقا ً فإنه ليست هناك آثار وظيفية تذكر على حركة الطفل أو على المشي.

ما هي الأسباب؟
في الواقع أن هناك ثلاثة أسباب رئيسية لحدوث هذه المشكلة المعروفة علمياً (intoing)، فالثلاثة أماكن التي قد تكون مسؤولة عن اعوجاج القدمين إلى الداخل هي منطقة الورك أو منطقة الركبة والساق أومنطقة القدم نفسها، وفي مايلي سوف نفصل كيفية حدوث اعوجاج القدمين نتيجة للخلل في كلٍ من هذه المناطق، كذلك سوف نحاول استعراض كيفية التشخيص ومعرفة أي منطقة مسؤولة عن الاعوجاج وكيفية العلاج.

منطقة الورك
في الطفل الطبيعي تكون هناك زاوية مابين إلتقاء عظمة العنق الفخذ مع عظمة الفخذ نفسها، هذه الزاوية تكون مسؤولة عن إعطاء مزيد من الحرية لمنطقة الورك في حركتها عند تحريك هذا المفصل، ولكن في بعض الأطفال يكون هناك خلل في الزاوية الطبيعية ممايؤدي إلى زيادة الدوران الطرف السفلي كاملاً إلى الداخل عند منطقة الورك ممايؤدي إلى أن تظهر القدمين بإعوجاج نحو الداخل كما هو في الحالة التي ذكرناها سابقاً. ويكون الفحص السريري عن طريق فحص حركة دوران مفصل الورك الداخلية والخارجية. ففي الشخص الطبيعي أو الطفل الطبيعي فإن حركة دوران مفصل الورك إلى الخارج وإلى الداخل تكون قريبة من بعضها وتبلغ حوالي أربعون درجة في الناحية الداخلية والناحية الخارجية أيضاً. أمافي الشخص المصاب أو الطفل المصاب بإنعوجاج القدمين فإن حركة الدوران إلى الداخل تكون أكبر وحركة الدوران الخارج تكون أقل. بمعنى آخر فإن الأطفال المصابون بهذه المشكلة عادةً مايجلسون على الأرض وركبتيهم قريبتين من بعض والقدمين إلى الخارج في مايعرف بوضعية حرف دبليوا أو حرف إم بالغة الأجنبية، وهذه الوضعية هي بالعكس تماماً عن وضعية القرفصاء أو التربيعة عندما يجلس الشخص والركبتين متباعدتين والقدمين والساقين فوق بعضهم البعض. ولذلك فإن هذه الفئة من الأطفال المرضى بهذه المشكلة يكون الجلوس لديهم في وضعية دبليوا أسهل بكثير من وضعية التربيعة بل أنه في الحالات الشديدة لا يتمكن الطفل من الجلوس في وضعية التربيعة. وعند فحص الورك فإن حركة الدوران إلى الداخل تكون خمسين أو ستون درجة وبينما حركة الدوران للخارج في منطقة الورك تكون عشرون أو ثلاثون درجة مما يدل على أن مشكلة في منطقة الورك. بعد الفحص السريري يمكن عمل أشعة سينية لمنطقة الحوض أو الوركين للتأكد من عدم وجود أسباب أخرى غير الخلل في الزاوية الطبيعية لأعلى عظمة الفخذ مثل أورام حميدة أو مثل مشاكل في الفصل نفسه أو مثل الخلع الورك الولادي. وفي حال التأكد أن المفصل سليم وأن المشكلة فعلاً في الزاوية التي ذكرناها سابقاً فإنه يكون تشخيصا ً نهائيا ًودقيقاً بإذن الله. أما بالنسبة لعلاج إعوجاج القدمين الناتج عن خلل في مفصل الورك فإنه يكون في البداية علاجاً تحفظياً عن طريق مراقبة الطفل مراقبة دقيقة وسنوية وأيضاً منع الطفل الجلوس في وضعية الدبليوا وتشجيع الطفل على الجلوس في وضعية التربيعة. وفي الغالبية العظمى أو مايفوق التسعين في المئة من الأطفال فإن الزاوية تتعدل تدريجياً مع مرور الوقت ومع التقدم في السن. وتبقى حالات بسيطة جداً تحتاج إلى التدخل الجراحي عندما يبلغ الطفل سناً أكبر فمثلاً في البنات عندما تبلغ الطفلة ثمانية أو عشرة سنوات وفي الأولاد عندما يبلغ الطفل عشرة إلى إثني عشرة عاماً وتبقى المشكلة كبيرة ومزعجة والتشوه والإلتواء واضحاً ويضايق الطفل أو الطفلة فإن التدخل الجراحي يتم اللجوء إليه لتعديل دوران الطرف السفلي وذلك عن طريق عملية جراحية بسيطة يتم إجراؤها في منطقة أعلى الفخذ لقص العظمة وإعادة الزاوية والدوران إلى الوضع الطبيعي ومن بعد ذلك يتم تثبيت العظم الذي تم تعديله بإستخدام شريحة ومسامير طبية. هذه العملية الجراحية عملية آمنة بإذن الله وذات نتائج ممتازة وتعدل شكل القدمين والساقين بشكل ممتاز وتبلغ نسبة نجاحه فوق الخمسَ والتسعون في المئة بإذن الله. ويمكن بعد إنقضاء عام أو عامين بعد الجراحة إزالة الشريحة والمسامير الطبية. ولكن لحسن الحظ كما ذكرنا سابقاً فإن الغالبية العظمى من الأطفال لا تحتاج إلى هذه العملية وتتحسن حالتهم مع مرور الوقت.

الغالبية العظمى تشفى مع مرور الوقت
الركبتان والساقان
وفي هذه الحالة يكون هناك اعوجاج داخلي (inbernal borsion) في عظمة الساق ممايؤدي إلى دوران القدمين إلى الداخل. هذه المشكلة قد تكون موجودة من غير سبب أو قد تكون نتيجة ضعف في بنية العظام أو قد تكون وراثية. هذا الالتواء إلى الداخل تؤدي إلى أن تظهر القدمان ملتويتين إلى الداخل عند المشي. وعادةً مايكون الفحص السريري هو الفاصل حيث يبين أن منطقة الورك سليمة وأن دوران الورك الداخلي والخارجي في الحدود الطبيعية أما الزاوية بين القدم والساق فهي تكون غير طبيعية مما يساعد على تشخيص الحالة. أيضا يتم اللجوء إلى الأشعة السينية لمعرفة أية أسباب أخرى قد تؤدي إلى ظهور هذه الحالة مثل الكساح أو لين العظام أو الأورام الحميدة في عظام الساقين. وبالنسبة للعلاج فإنه يتكون من نفس الخطة التي ذكرناها سابقاً في الورك من حيث ملاحظة الطفل دورياً والتأكد من عدم ازدياد الحالة مع مرور الوقت. وفي الغالبية العظمى من الحالات فإن الحالة تتحسن مع مرور الوقت. أما عندما يكبر الطفل وتزداد الحالة سواء ً وتصبح ذات تأثير سلبي على المشي وعلى نفسية الطفل فإنه يمكن التدخل الجراحي لقص عظمة الساق في منطقة مافوق الكاحل وإعادة الدوران الطبيعي لها لتعديل القدمين وبعد ذلك يتم تثبيت العظام التي تم تعديلها باستخدام شريحة ومسامير طبية. وهذا السبب بصفة عامة هو سبب قليل ونادر الحدوث في اعوجاج القدمين وأيضا في حال حدوثه فإن الغالبية العظمى من الحالات تتحسن مع مرور الوقت والحمد لله ولذلك فإن هذه الحالات ليست كثيرة ونادراً مانحتاج للتدخل الجراحي لتعديل الساقين.

القدمان
ومشاكل القدمين قد تسبب اعوجاجا إلى الداخل عند بعض الأطفال فمن هذه المشاكل قوة عضلات القدمين الداخلية مما يؤدي إلى أن يظهر الإصبع الكبير والمشطية الأولى في وضعية مائلة إلى الداخل ويسبب القلق لدى الوالدين. كما أن مشاكل القدم نفسها مثل مشاكل القدم الولادية أو الوراثية والخلقية قد تؤدي إلى هذا الاعوجاج. ويتم التشخيص عن طريق فحص بطن القدم الذي عادةً مايكون مستقيماً ولكن في حالات اعوجاج القدمين الناتجة عن مشاكل القدم نفسها يكون القدم مائلة بحيث تأخذ حرف الراء. أيضاً يتم اللجوء إلى الأشعة السينية للتأكد من التشخيص أو من الأسباب الكامنة وراء التشخيص. وفي الحالات البسيطة يتم طمأنة الوالدين وأيضاً يمكن عمل تمرينات إطالة للمنطقة الداخلية من القدم تقوم بعملها الوالدة أو الوالد يومياً بحيث يتم تعديل القدم وإطالة العضلات التي تسبب الميلان إلى الداخل.

أما في الحالات المتوسطة فإنه قد يتم اللجوء إلى الأحذية الطبية أو إلى الربطات واللفائف الطبية أو إلى الجبائر الطبية المؤقتة في محاولة لتعديل مسار القدم. وفي الحالات الشديدة والتي لا تستجيب للطرق التي ذكرناها سابقاً أو التي تستمر لفترات طويلة وتؤثر على شكل وحركة الطفل فإنه قد يتم اللجوء إلى التدخل الجراحي لفك العضلات والأربطة المشدودة التي تسبب الميلان في القدم وأيضاً قد يتم اللجوء إلى عمليات تشمل عظام القدم نفسها في محاولة لتعديل الشكل والقوام في القدم وإعادة الحركة لها بشكل طبيعي عند المشي.

النصائح والتوصيات
في الواقع أن مشكلة اعوجاج القدمين إلى الداخل عند المشي هي مشكلة شائعة لدى الأطفال وتسبب الكثير من القلق لدى الآباء والأمهات. ولحسن الحظ فإن الغالبية العظمى من هذه الحالات هي نتيجة أسباب حميدة وتتحسن مع مرور الوقت ولا تستدعي أي إجراءات مشددة أو جراحية. ولكن من الواجب زيارة الطبيب للتأكد من أن هذه الحالة هي حالة حميدة ولكي لايتم التأخر أو الإهمال في علاج الحالات التي تستوجب التدخل بالجبائرأو الجراحة في مرحلة مبكرة. وبصفة عامة فإن هذه المشكلة سواءً تم علاجها بالفحص الدوري وبطمأنة الوالدين أو بالجبائر الطبية أو بالتدخل الجراحي فإن النهاية تكون سعيدة بإذن الله وتكون النتائج جيدة ومرضية في الغالبية العظمى من المرضى.


أخبار مرتبطة