تاريخ النشر 24 فبراير 2021     بواسطة الدكتور رشاد محمد السنوسي     المشاهدات 1

مريض نفسي مقيد بالسلاسل داخل كوخ جبلي بقرية الصهال

لا يخطر بذهن أحد أن السلاسل الحديدية والحبس بين الجدران والسكن في كهف جبلي صغير في الظلام الدامس والنهار الحارق هو علاج للمرض النفسي أو الصرع، ولكن يبدو أن الواقع بات يتحدى كل الخيالات وأكثرها سوداوية ومرارة. هذا ما جال بخاطرنا عندما عرفنا قصة علي مفرح الصهلولي (57عاما) من أهالي الصهاليل الت
ابعة لمحافظة العيدابي في الجهة الشمالية لوادي الصباب، والذي قضى من عمره المرضي 37عاماً مقيدا بسلاسل من حديد، لا يتجاوز طولها متراً واحداً. فأغلال الحديد تكبل يديه وقدميه، ونار الوحدة تكويه في كوخ صغير محاط بسور من الشبك المعدني، ومعزول عن المحتمع.

فعندما تشاهد هذا الكوخ من بعيد لا يظن أحد أن إنسانا يسكنه، بل يعتقده البعض بركة ماء أو مسكن لأغنام، ولكن عندما تقترب منه وتسمع صوت النشيد الجبلي (الطارق) أو (الوالش) يخرج من جوف هذا الكوخ، فيأخذك الذهول والعجب، وربما ملئت رعبا من ذاك الذي يسكن فيه.

يقول محمد مفرح الصهلولي الأخ الأصغر لـ»علي»: أن علي أصيب بهذه الحالة وعمره عشرين عاماً، كان بدايته بمرض الصرع، حيث ذهبنا به إلى المستشفى دون جدوى، ولم يكن يتناول العلاج الذي يصرف له، حتى تدهورت حالته النفسية، وطالبنا بنقله إلى مستشفى الأمراض النفسية بالطائف، ولكن لم يجبنا أحد.

وأضاف الصهلولي: إن آخر مرة ذهبوا بـ»علي» إلى مستشفى الصحة النفسية كانت قبل نحو 4 سنوات، واحتفظ به المستشفى عدة أيام، حيث صرف له بعض الأدوية، ثم طلبوا منا الحضور لاستلامه، ونحن نقوم على شؤونه، وتنظيف ملابسه وإطعامه من طعامنا.

وعن كيفية التعامل معه قال محمد مفرح: أنه لا يقبل أحد ونحن نتعامل معه بحذر وبأسلوبنا الخاص، وهو الآن تحول إلى شخصية عدوانية، وتم تقييده منذ 47 عاماً بعد أن أحرق منزلنا مرتين وتعدى على والدته بالضرب وآذى الجيران، وعن وجود والده في بداية المرض قال: والدنا توفى ونحن صغار، وكان علي آنذاك بصحة جيدة، وكانت الأم هي التي ترعاه، ولكنها الآن مسنة تبلغ من العمر أكثر من ثمانين سنة.

وعن الدخل الشهري لـ»علي» قال محمد: إنه لا دخل له، وليس مستفيدا من الضمان الاجتماعي، بسبب إلزامه بالحضور للمستشفى للحصول على تقرير طبي، وهو أمر صعب علينا أن نخرجه من مسكنه، وهو خطر على الجميع. وأنا الآن أبلغ من العمر 47 عاماً ولا أملك دخلا شهريا، ولا أستطيع أن أترك أخي وحدة مع أمي المريضة والمسنة، فأنا من أدير حياته اليومية وأهتم بشؤونه.

وأنهى الصهلولي حديثه وعينه تذرف الدمع حسرة وألما على وضع أخيه، ويقول: هل الصحة النفسية عاجزة عن أن تستقبل عليّا لوضعه في إحدى المصحات تحت الملاحظة الطبية؟ وانتشالهِ من وضعه الحالي الذي يفاقم من تدهور وضعهِ النفسي.

حملنا قصة علي لنعرضها على الدكتور رشاد محمد السنوسي استشاري الطب النفسي ومدير مركز الأبحاث بجامعة جازان فقال: إن هذا الموضوع الانساني الهام يمس شريحة من أخواننا الذين قدر الله عليهم الاصابة بأمراض عقلية عاشوا معها سنوات مؤلمة وهم مقيدون بالسلاسل، متأسفاً على وجود مثل هذه الحالات في مجتمعنا بالرغم من تحسن الرعاية الصحية عموماً والنفسية خصوصاً، إلى جانب الخدمات الاجتماعية التي وصلت إلى معظم فئات المجتمع من ذوي الظروف الاجتماعية أو الصحية الخاصة.

وأضاف: إن هذه الحالات مصابة بأمراض عقلية شديدة، وهي أمراض معروفة لدى الاطباء النفسيين، وتنتشر بنسبة تصل إلى 1% من السكان، وأسبابها تعود إلى خلل في الوظائف العقلية العليا (الادراك، الذاكرة، سلامة التفكير، القدرة على الحكم والتقدير)؛ مما يجعل المريض غير قادر على رعاية نفسه، والقيام باحتياجاته الشخصية، ووظائفه الاجتماعية، أو التواصل مع الآخرين بطريقة صحيحة، وعادة ما تكون الاصابة بذلك في سن مبكر في العشرينات من العمر، أما التخلف العقلي فيظهر منذ الطفولة المبكرة.

ومن جانبه أوضح خالد الثبيتي المتحدث الإعلامي بوزارة الشؤون الاجتماعية أن هناك باحثين أحتماعيين ميدانين يقومون ببحث الحالة ومتابعتها أينما تكون، ويجب على من يهتم أو يقوم على شأن «علي» أن يحضر إلى الضمان ومعه تقرير بحالته الصحية والنفسية.

وأوضح رئيس جمعية حقوق الإنسان بجازان الدكتور أحمد البهكلي إن مثل هذه الحالة، يجب أن تتلقى الجمعية شرحا وافيا بالإضافة إلى التقارير الطبية عن الحالة، مشيراً إلى أن الجمعية تبدأ متابعتها، والتواصل مع الجهات المعنية لحلها. مضيفا أن الجمعية تقوم بالوقوف على الحالة من بعض الأعضاء المتعاونين والباحثين المعنيين، ومطابقة ما هو مقدم على الواقع.

وأكمل: إذا عجزت مستشفيات منطقة جازان عن علاجه، فيُطلب من إدارة الشؤون الصحية تحويله إلى المستشفى التخصصي المركزي على مستوى المملكة، ولكل حالة طريقة تعامل بما يناسبها، مشيراً إلى أنه لابد من مبادرة ذوي المريض بالتقدم إلى فرع الجمعية، وإرفاق التقارير التي تثبت الحالة بتواريخها.


أخبار مرتبطة