تاريخ النشر 17 ابريل 2021     بواسطة الدكتور وائل عبدالله باتوباره     المشاهدات 1

أمراض الرئة المقيدة

إن أَمْراضَ الرِّئَةِ المُقيِّدَةَ، هي مجموعة كبيرة جدا من الأمراض، والأمر المشترك بينها هو انخفاض في أحجام الرئة، كما يظهر في اختبارات وظائف الرئة (Pulmonary Function Tests). تسمى هذه الأمراض أيضًا، أمراض رئة خِلالية (النسيج الخِلالي - InterstitialTissue)، وذلك لأنها تصيب بالأساس الأنسجة الخِل
الية في الرئة. إن هذه التسمية مضللة، ففي العديد من الأحيان تصيب هذه الأمراض أيضًا، الشعب الهوائية (Bronchi) الصغيرة والحويصلات الرئوية (Alveoli‏).

توجد هناك أمراض أخرى، مجهولة السبب، كالساركويد (Sarcoidosis) والتليّف الرئوي (Pulmonary fibrosis) الأولي، أو أمراض جهاز المناعة (الأنسجة الضَّامَّة) مثل، الذئبة الحُمامِيَّة (Lupus erythematosus)، التهاب المفاصل الروماتويدي (Rheumatoid Arthritis) وتصلب الجلد (Scleroderma)، بالإضافة لأدوية متعددة، قد تؤدي هي الأخرى لتليُّف رئوي متفشٍ ولمرض رئوي خِلالي (Interstitial Lung Disease).

يكون المرض لدى بعض المرضى حادًّا، وتستمر أعراضه أيامًا أو أسابيع فقط، حتى يتم التشخيص النهائي (بالأساس، الأمراض المتعلقة بفرط التحسس أو بجهاز المناعة). يتحول المرض لدى جزء من المرضى، لمرض مزمن دائم، بينما تختفي أعراض المرض عند آخرين، مع أو بدون تلقي العلاج، أو بمجرد تفادي التعرض للعامل الذي سبب المرض (مثل، الأدوية). أما لدى جزء آخر من المرضى، فتمر أسابيع وأشهر قبل تشخيص المرض، ولدى الجزء المتبقي، يكون المرض مزمنًا (أشهر حتى سنوات حتى يتم التشخيص)، وعندها يُعرف المرض على أنه مرض رئوي مزمن.

إن معظم الأمراض الرئوية الخِلالية مزمنة، ولا يمكن الشفاء منها. يتميز سير المرض بكونه مزمنًا، وتتفاقم الأعراض على خلفية سير المرض المزمن والمتقدم لدى المريض (Acute on Chronic). تكون الحالة الصحية لمعظم المرضى سيئة، ويكونون مقيدين من حيث نشاطاتهم، وذوي جودة حياة منخفضة.

أعراض أمراض الرئة المقيدة
إن الأعراض الشائعة التي تجعل المريض يتوجه للطبيب هي: ضيق تنفس عند القيام بجهد معيّن، يزداد سوءًا مع مرور الوقت، سعال مزمن، تحليل غير سليم لتصوير الصدر بالأشعة السينية، تحليل الوظائف الرئوية يظهر خللاً في عمل الرئة، وظهور أعراض رئوية لدى المرضى المصابين بمرض في الأنسجة الضامة.

أسباب وعوامل خطر أمراض الرئة المقيدة
تتعلق الأسباب الشائعة، والتي يمكن تحديدها كمسببات لأمراض الرئة المقيدة (Restrictive lung diseases)، بنوعية العمل الذي يشمل التعرض للغبار العضوي أو غير العضوي. أمثلة على ذلك، الأسبست (Asbestos)، السيليكا (Silica)، غبار الفحم، ألياف القطن، غبار الحبوب، العفن وغيرها. يساهم التدخين، في الحاضر أو الماضي، أيضًا في تفاقم المرض. إن بعض أمراض الرئة المقيّدة شائعة أكثر وسط عائلات معيّنة.

إن داء الأسبست (Asbestosis) هو أحد أمراض المهنة الأكثر شيوعًا، والتي تنجم عن التعرض للأسبست في إطار العمل. لا يزال الأسبست، الموجود في مبان معينة، يشكل مصدرًا أساسيًّا للأمراض الرئوية المزمنة. إن التعرض للأسبست منوط باحتمال أكبر للإصابة بسرطان غلاف الرئة، والذي يدعى سرطان المتوسطة (Mesothelioma). تم وصف حالة، في المراجع الطبية، لامرأة أصيبت بسرطان المتوسطة، بعدما كانت تغسل لعدة سنين ملابس زوجها الذي كان يعمل في مصنع للأسبست.

تشخيص أمراض الرئة المقيدة
توجد هنالك أهمية قصوى في عملية التشخيص للاستفسار عن التاريخ الطبي للمريض، ذلك أنه في العديد من الحالات، يمكن تحديد سبب المرض وفقًا له. يشمل الفحص السريري بشكل عام، فحوصات مخبرية، تصوير الصدر بالأشعة السينية، اختبارات وظائف الرئة، بالإضافة لفحص التصوير المقطعي المحوسب (CT). أمراض معينة، مثل، الساركويد (Sarcoidosis)، وأمراض جهاز المناعة (الأنسجة الضَّامَّة) تظهر في معظم الحالات في جيل مبكر (20-40 سنة)، بينما تظهر الأمراض المهنية (Occupational diseases) أو التليف الرئوي الأولي، في جيل متقدم أكثر. تكون بعض الأمراض شائعة أكثر وسط النساء (الذئبة)، بينما تكون الأمراض المهنية أكثر شيوعًا عند الرجال.

هناك أهمية تشخيصية، في حالات معينة، خصوصًا عند الاشتباه بوجود مرض رئوي مهني، للقيام بغسل القصبات والأسناخ (Bronchoalveolar lavage) وتصنيف الخلايا التي يتم العثور عليها في الغسل. لدى العديد من المرضى، من غير الممكن الوصول لتشخيص نهائي وتحديد درجة خطورة ونشاط المرض، دون القيام بأخذ خزعة (Biopsy) من الرئتين، وفحص الأنسجة المأخوذة في المختبر. يمكن أخذ الخزعة بواسطة تنظير القصبات (Bronchoscopy) أو عن طريق العملية الجراحية.

علاج أمراض الرئة المقيدة
يعتبر العلاج الدوائي غير كاف، ولا يأتي بالنتائج المرجوة، مع ذلك يلعب العلاج الداعم والمتابعة المكثفة دورًا هامًّا في معالجة المريض. لا يوجد لمعظم أمراض الرئة المقيدة علاج خاص، ويكون العلاج الدوائي المعطى في الأساس علاجًا مضادًّا للالتهاب (ستيرويدات) وعلاجًا مثبطًا للمناعة (بالأساس سيكلوفسفاميد – Cyclophosphamide). تتم معالجة المرضى الذين هم في مراحل متقدمة من المرض، ويعانون من أعراض متفشية (ضيق تنفس، سعال)، والمرضى الذين يعانون من أداء رئوي منخفض.

يستجيب جزء من المرضى للعلاج فقط. إن لهذه الأدوية بشكل عام أعراضًا جانبية غير سهلة، ولذلك يجب دائمًا التفكير مليًّا في الفائدة التي يجنيها المريض من العلاج.

نبدأ العلاج دائمًا، بجرعات مرتفعة من الستيرويدات. إذا لم يطرأ تحسن على حالة المريض، نقوم بإضافة السيكلوفسفاميد. يمكن في الحالات الصعبة، الأخذ بعين الاعتبار، استعمال أدوية أخرى مثبطة لجهاز المناعة. بالإضافة لهذا، على المريض التوقف عن التدخين، اتباع نظام غذائي صحي ومتوازن، ويجب تشجيعه على المشاركة ببرنامج إعادة تأهيل، بهدف الاعتياد على تحمل الجهود اليومية. تكون هناك حاجة أحيانًا، لإضافة الأكسجين بشكل دائم، لمعالجة السعال المزمن بشكل محدد، ولعلاج العدوى في مسالك التنفس، ولعلاج الأمراض الأخرى التي يعاني منها المريض.

يجب الأخذ بعين الاعتبار، في الحالات المتقدمة أو عند تفاقم الحالة الصحية الإسراع بإدخال المريض إلى قائمة الانتظار لزرع رئة – يتم اللجوء لهذه الإمكانية كحّل أخير لعلاج المرضى المصابين بهذا المرض. إن العملية الجراحية المتعارف عليها هي زرع رئة واحدة. يطرأ بعد الجراحة، بشكل عام، تحسن ملحوظ على جودة حياة المريض. يتم اليوم، إجراء العديد من الأبحاث الكبيرة في العالم، في محاولة لإيجاد العلاج الأمثل، للمرضى الذين يعانون من أمراض الرئة الخلالية.


أخبار مرتبطة