تاريخ النشر 25 ابريل 2021     بواسطة الدكتور عبدالعزيز هزازي     المشاهدات 1

كيف تعمل مسكنات الألم في جسم الإنسان ؟

تتميز الحبوب المسكنة للألم بأنها ذات مفعول سحري، حيث يكفي أن نشير إلى موضع الألم، ونأخذ حبة من الدواء، حتى يتمكن الدواء من معرفة مكان الألم بطريقة ما ويعمل على إيقافه، على الأقل هذا ما يبدو عليه الأمر، ولكن الحقيقة أن المسكنات ليست عبارة عن حبوب سحرية، بل إنها تعمل بآلية شاملة، حيث تعبر خلال مج
رى الدم، وتقوم بتعطيل جميع الآليات التي تبعث على الشعور بالألم أينما وجدت، ولذلك فإذا صادف أن يكون لديك ألم شديد في الرأس في الوقت الذي تأخذ فيه حبة لإيقاف آلام الظهر، فإنك ستضرب عصفورين بحجر واحد.

إذا ما نظرنا إلى النظام العصبي في الجسم على أنه سلسلة من أسلاك التلغراف التي كانت تستعمل أثناء الحرب الأهلية، عندها يمكن أن نتخيل سلسلة من البرقيات التي تصل الى المقر الرئيسي وهي تحمل تقارير بالأضرار من جميع أنحاء البلاد (الجسم)، ويقوم الرئيس – الدماغ – بترجمة هذه الرسائل على أنها احساس بالألم، فإذا رغبنا بتخفيف ألم الرأس مثلاً، فنحن بحاجة لإيقاف وصول رسائل الألم إلى الدماغ، وذلك عبر قطع الأسلاك أو عن طريق وضع جاسوس ليعترض الرسائل.

إن الأدوية المسكنة للألم تتبع ذات الطريقة المذكورة آنفاً، فالمسكنات التي تقوم بتخفيف الألم دون عرقلة النبضات العصبية، تعمل على العبث بالإدراك الحسي أو التغيير من الوعي، وتتألف الأدوية المسكنة من عدة أنواع، فالعقاقير المضادة للالتهابات تقوم بتخفيف الألم من خلال الحد من الالتهابات، وهناك أيضاً نوع من المسكنات تعمل على تثبيط أنزيم ((COX، مما يؤدي إلى منع وصول إشارات الألم إلى الدماغ، أما الأدوية التي تحتوي على المواد الأفيونية، فإنها تخدر الدماغ وبالتالي تقلل من حدة إشارات الألم داخله، وفي حال لم تجدي كافة هذه الوسائل في تسكين الألم، يتم اللجوء عندها للتخدير، والذي يقوم بمنع وصول أي نوع من الأحاسيس والألم أو غير ذلك إلى الدماغ، وذلك عن طريق تنويم المريض أو تخدير منطقة معينة من جسمه، لذلك فإن هذه الطرق لا تتجه مباشرة إلى مكان الألم في الجسم، بل في الحقيقة فإن هذه الأدوية تتجول في جميع أنحاء الجسم باحثة عن أي رسائل حاملة للألم، ومن ثم تعمل على منع وصول هذه الرسائل أو تدميرها أو إيقافها.

بفرض أن شخص ما قام بلمس موقد ساخن فحرق يده، عند ذلك فإن ذراعه تنتفض على الفور ويبدأ بالشعور بالألم، وذلك بسبب تفعيل شبكة من الأعصاب المتخصصة تسمى ((nociceptors (وهي كلمة مشتقة من اللاتينية وتعني مستقبلات الضرر أو الأذية)، وعلى عكس الأنواع العصبية الأخرى، يتم تنبيه أعصاب الـ(nociceptors) فقط عند حدوث ضرر ما، مثل استشعار وجود درجة حرارة مرتفعة جداً أو حدوث ضغط كبير على الجسم، وعندما يحدث الضرر، فإن هذه الأعصاب تقوم بتحويل التنبيهات الضارة التي استقبلتها إلى إشارات كهربائية، وترسل هذه الإشارات إلى الدماغ، حيث تقوم النهايات العصبية بتغيير شكلها، خالقةً بذلك ممرات تسمح للأيونات الموجبة مثل الصوديوم والكالسيوم بالاندفاع إلى الداخل، وهذا التدفق الأيوني يقوم بخفض التوتر عبر أغشية الخلايا ويولد كموناً كهربائياً، وكلما كانت الإصابة أسوء، كلما كانت الإشارة أقوى، وهذا بدوره يحدد عدد أعصاب الألم التي سيتم تنبيهها في الدماغ والحبل الشوكي.

أما عن الكيفية التي تقوم فيها الـ ((nociceptors بالكشف عن حدوث الضرر في المقام الأول، فإن ذلك يتم بالعديد من الطرق، وبعض هذه الطرق ما يزال العلم يحاول اكتشافها، ولكن بشكل عام، فإن العلم يقدم لنا نظرية جزئية حول الطريقة التي تقوم بها الـ ((nociceptors بالكشف عن حدوث الضرر، وتعتمد هذه الطريقة على مواد كيميائية تسمى بـ(البروستاجلاندين)، حيث تقوم  الـ ((nociceptors باكتشاف وجود البروستاجلاندين ضالة بالدم، وهذا ما يحدث تنبيهاً يؤدي إلى إرسال إشارات للدلالة على وجود ضرر ما، ولكن في الكثير من الأحيان لا تحتاج الـ (nociceptors) لاكتشاف وجود البروستاجلاندين لتقوم بعملهم، حيث أن ارتفاع درجة حرارة الجسم في منطقة ما بشكل حاد على سبيل المثال، يكفي لتنبيه الأعصاب، ويؤدي إلى فتح القنوات الأيونية مباشرة، التي تقوم بدورها بإنتاج الإشارة من تلقاء نفسها، وهذا ما يحصل تماماً لدى مستقبلات الإشارة التي تستشعر الفلفل الحار.

إن الألم له وظيفة هامة، كون الشعور بالألم يبقينا بعيداً عن مسببات المشاكل، وينبهنا لوجوب معالجة مصدر الألم، ولكن في بعض الأحيان يصبح الألم مصدراً للازعاج، كما لو بقي جرس الإنذار يعمل لفترة طويلة بعد توقف الحريق، وإحدى الطرق لإيقاف هذا الضجيج تتمثل بقطع الإشارة من المصدر، وهذا ما يقوم به الايبوبروفين، حيث يقوم بمنع الخلايا المصدرة للألم من إرسال المزيد من البروستاجلاندين، والجدير بالذكر أن الايبوبروفين ينتمي إلى فئة الأدوية المسكنة للألم والتي تدعى بالأدوية المضادة للالتهابات الغير الستيرويدية، حيث أنها تقوم أيضاً بالتخفيف من التورم والالتهابات التي يمكن أن تسبب الألم، وتشمل هذه المسكنات الأسبرين ونابروكسين الصوديوم.

في حين تقوم بعض المسكنات الأخرى بتجاهل إشارات الألم والعمل على اخماد تأثير الإشارات المرسلة إلى الدماغ، فمثلاً يعمل الاسيتامينوفين في الدماغ والجهاز العصبي المركزي على خمد الألم، وما يجمع بين المسكنات والاسيتامينوفين أن كلاهما ينتميان إلى فئة تسمى بالمسكنات الغير أفيونية، حيث أن معظم المسكنات الغير أفيونية تعمل على تثبيط انزيمات الأكسدة الحلقية (كوكس) أو أنزيمات COX-2، حيث أن مهمة هذه الأنزيمات الأساسية هي تحويل أحماض الأراكيدونيك الدهنية التي توجد في جدران الخلايا إلى البروستاجلاندين الذي يقوم بتنشيط أعصاب الألم، وبالتالي فإن هذا النوع من الأدوية يقوم بتثبيط الأنزيمات المسؤولة عن إفراز البروستاجلاندين، وبالنتيجة فإن هذا التثبيط يؤدي إلى انقطاع البروستاجلاندين مما يؤدي بدوره إلى عدم تنشيط مستقبلات الضرر وبالتالي عدم حصول الألم.

أما بالنسبة لمعالجة الآلام الشديدة القصيرة الأمد، مثل آلام ما بعد الجراحة، أو الآلام المزمنة، فإن العديد من الأطباء يلجأون إلى استعمال المسكنات الأفيونية، مثل المورفين والكودايين، التي تقوم بالولوج إلى شبكة المستقبلات الموجودة في الدماغ والحبل الشوكي، وتندمج مع المواد الأفيونية التي ينتجها الجسم بشكل طبيعي وتقوم بالسيطرة على مراكز الألم في الدماغ، مما يقلل من الاحساس بالألم، والجدير بالذكر أن استعمال هذه الأدوية قد يتحول لإدمان، كونها تؤثر على مراكز البهجة في الدماغ.

إضافةً إلى هذه الأنواع، فإن هناك المزيد من المواد المخدرة مثل تلك التي يتم استخدامها في العمليات الجراحية والتي تتضمن مزيجاً من العقاقير التي تقوم بتهدئة المرضى، وتفقدهم وعيهم وتخفف من آلامهم، كما يمكن أن يكون التخدير محدداً بأقسام معينة مثل التخدير للقسم السفلي من جسم الإنسان (من الخصر نزولاً)، أو يمكن أن يكون التخدير موضعياً محدداً بموضع واحد فقط.


أخبار مرتبطة