تاريخ النشر 31 اغسطس 2022     بواسطة الدكتور رائد الغامدي     المشاهدات 2

الفُصام

الفـُصام هو اضطراب حاد في الدماغ يُشوه طريقة الشخص في التفكير، والتصرف، والتعبير عن مشاعره، والنظر إلى الواقع، ورؤية الوقائع والعلاقات المتبادلة بينه وبين المحيطين به. الأشخاص المصابون بمرض الفصام وهو المرض الأصعب والأكثر تقييدًا من بين جميع الأمراض النفسية المعروفة يُعانون من مشاكل وظيفية في
المجتمع، وفي مكان العمل، وفي المدرسة، وفي علاقاتهم مع زوجاتهم أو أزواجهن.
قد يُسبب مرض الفصام للمصابين به الخوف والانطواء على النفس، والفصام هو مرض مزمن يُلازم المصاب به طوال فترة حياته، ولا يُمكن معالجته لكن يُمكن السيطرة عليه بواسطة العلاجات الدوائية المناسبة.
يُهيأ للمصابين بمرض الفصام أن العالم المحيط بهم مركب من خليط كبير من الأفكار، والمناظر، والنغمات، وقد يكون السلوك المميز للأشخاص المصابين بمرض الفصام غريبًا جدًا بل مرعبًا أحيانًا.
التغيير المفاجئ الذي يحصل في شخصية المريض، أو في سلوكياته، والذي يجعله يفقد أية صلة مع الواقع يُسمى المرحلة الذهانيّة.
أنواع مرض الفصام
هنالك عدد من الأنواع الفرعية لمرض الفصام، وهي تقسم حسب الأعراض المميزة لكل منها:
1. فصام المطاردة (Paranoid schizophrenia)
الأشخاص الذين يُعانون من فصام المطاردة يكونون غارقين في أوهام عن أنهم ملاحَقون أو مطارَدون من قبل شخص آخر أو طرف معيّن، ومع ذلك تبقى طريقة تفكيرهم، وكلامهم ومشاعرهم عادية جدًا.
2. فُصَامٌ لا مُنْتَظِم (Disorganized schizophrenia)
الأشخاص المصابون بهذا النوع من الفصام يُعانون في الغالب من الشعور بالارتباك ومن مشاكل في الاتصال والتواصل مع الآخرين، كما يُعانون من الكلام المتلعثم وغير الواضح، وبنظرة من الخارج يظهرون كأنهم عديمو المشاعر والحساسية، وذوو سلوكيات غير ملائمة أحيانًا، ويبدون صبيانيين وتصرفاتهم تبدو سخيفة تافهة.
يُظهرون سلوكيات مضطربة، ومرتبكة وغير منظمة، وقد تُعيق قدرتهم على إدارة حياتهم اليومية بشكل سليم، مثل: وقت الاستحمام، أو إعداد الطعام.
3. فصام جامودي (Catatonic schizophrenia)
الأشخاص المصابون بهذا النوع من الفصام تظهر لديهم أعراض جسدية واضحة ومميزة، فهم محدودون من حيث الحركة، ولا يستجيبون للمؤثرات المختلفة التي يعج بها العالم من حولهم، وقد يُصبح جسم الشخص المصاب بهذا النوع من الفصام صلبًا ومتحجرًا فلا يرغب في محاولة الحركة.
أحيانًا يُظهر الأشخاص المصابون بهذا النوع من الفصام نمطًا حركيًا مميزًا وغريبًا، مثل: تنفيذ حركات في الوجه، أو الميل إلى البقاء في وضعيات غريبة، وقد يُكررون كلمة، أو جملة، أو تعبيرًا معينًا صدر عن شخص موجود بالقرب منهم في ذات الوقت، والأشخاص المصابون بالفصام الجامودي معرضون بدرجة عالية لأن يُعانوا من النقص الغذائي، ومن الإعياء، كما يميلون إلى إيذاء أنفسهم.
4. فصام لا متميّز (Undifferentiated schizophrenia)
هذا هو نوع فرعي من مرض الفصام يتم تشخيصه عندما تكون الأعراض التي يُظهرها المريض غير واضحة تمامًا، ولا تُعبر عن أي من الأنواع الثلاثة المذكورة آنفًا.
5. فصام متبقي (Residual Schizophrenia)
في هذا النوع الفرعي من مرض الفصام تكون أعراض المرض قد تقلصت، حيث تكون الهلوسة، أو الأوهام، أو أي أعراض أخرى للمرض ما زالت موجودة، لكنها أخفّ مما كانت عليه في التشخيص الأولي للمرض.
أعراض الفُصام
أعراض الفصام تتركب من عدة عوامل بالابتداء من التغيرات التي تحصل في شخصية المريض وقدراته وحتى إظهار تغييرات في التصرفات ومطابقتها للأوضاع المختلفة، وعند ظهور فصام للمرة الأولى يكون ظهور الأعراض فجائيًا وحادًا.
يُمكن تقسيم الأعراض المشتركة لكل أنواع الفصام إلى ثلاث مجموعات أساسية: أعراض إيجابية، وأعراض ارتباك وبلبلة، وأعراض سلبية.
1. الأعراض الإيجابية للفصام
في هذه الحالة كلمة إيجابية لا تعني بالضرورة أن الأعراض جيدة، إنما المقصود هو أن الأعراض واضحة وظاهرة للعيان وهي لا تظهر لدى الأشخاص الذين لا يُعانون من الفصام.
هذه الأعراض التي تُسمى أحيانًا الأعراض النفسية، تشمل:
    الأوهام (Illusions).
    الهلوسة (Hallucination).
2. أعراض الارتباك والبلبلة الخاصة بالفصام
أعراض الارتباك والبلبلة تعكس عدم قدرة الشخص المصاب بالفصام على التفكير الصافي والتصرف بترو وبتحكيم العقل.
هذه الأعراض تشمل:
    تركيب جمل غير منطقية أو استعمال كلمات غير ذات معنى، الأمر الذي يُصعّب على الشخص المصاب بالفصام التواصل مع المحيطين به.
    الانتقال السريع من موضوع إلى آخر، أو من فكرة إلى أخرى.
    بطء في الحركة.
    عدم القدرة على اتخاذ القرارات.
    الانشغال الزائد بكتابة عديمة المعنى.
    ميل إلى نسيان أمور معينة أو فـَقد أغراض.
    تكرار حركات أو إيماءات، مثل: المشي ذهابًا وإيابًا، أو المشي بشكل دائري.
    صعوبات في التفكير بشكل منطقي وفهم ظواهر يومية، مثل: نغمات، وضجيج، ومشاعر.
3. الأعراض السلبية للفصام
في هذه الحالة كلمة سلبية لا تعني بالضرورة أن الأعراض سيئة، إنما المقصود هو غياب الأعراض التي يُمكن ملاحظتها عند الأشخاص المصابين بالفصام.
تشمل هذه الأعراض:
    انعدام الإحساس أو التعبير عن المشاعر.
    وجود أفكار وحالات مزاجية لا تتماشى مع الوضع القائم، مثلًا: الإجهاش بالبكاء بدلًا من الضحك عند سماع نكتة.
    الانسحاب من الحياة العائلية، وحياة المجتمع والنشاطات الاجتماعية.
    نقص في الطاقة.
    نقص في الدافعية.
    فقدان المتعة أو الاهتمام بالحياة.
    عادات صحة سيئة وعناية منقوصة.
    مشاكل في الأداء الوظيفي سواء في المدرسة، أو في مكان العمل، أو في نشاطات أخرى.
    المزاجية في المزاج.
    الجمود، حيث يبقى الشخص في نفس الوضعية بشكل دائم لفترات زمنية طويلة جدًا.
أسباب وعوامل خطر الفُصام
المسبب الدقيق للفصام لا يزال غير معروف حتى الآن، أما المعروف فهو أن مرض الفصام، مثل: السرطان، أو السكري، هو مرض حقيقي له أساس بيولوجي، ولا ينشأ مرض الفصام من جراء فشل تربوي من جانب الأهل أو نتيجة ضعف في الشخصية.
العوامل التي تزيد من خطر الفصام
وقد كشف الباحثون عن عدة عوامل قد يكون لها دور في تكوّن مرض الفصام، من بينها:
    الوراثة.
    عمليات كيميائية في الدماغ.
    شذوذ في بنية الدماغ.
    عوامل بيئية.
مضاعفات الفُصام
يُسبب مرض الفصام العديد من المضاعفات عند المريض، ومن أهمها:
    الانتحار.
    القلق.
    الوسواس القهري.
    الاكتئاب.
    الإفراط في شرب الكحول.
    مشاكل مادية، واجتماعية.
    عدم القدرة على الذهاب إلى العمل، أو المدرسة.
تشخيص الفُصام
يتم التشخيص على النحو الآتي:
1. الفحص الجسماني
في حال ظهور أعراض قد تدل على وجود الفصام عند المريض يقوم الطبيب المعالج بإجراء فحص جسماني شامل ويستعرض الماضي الطبي للمريض.
2. إجراء الفحوصات المختلفة
بالرغم من عدم توفر فحوصات مخبرية قادرة على تأكيد الإصابة بالفصام إلا أن الطبيب يستطيع إجراء عدد من الفحوصات المختلفة، مثل:
    التصوير بالأشعة السينية (X Ray).
    فحوصات دم مختلفة.
تهدف الفحوصات إلى نفي احتمال كون الأعراض ناجمة عن الإصابة مرتبطة مرض آخر له نفس الأعراض.
3. التشخيص من قبل طبيب نفسي
في حالة عدم قدرة الطبيب على الكشف عن مرض آخر مسبب لظهور أعراض المرض، قد يقوم بتوجيه المريض إلى الفحص لدى طبيب نفسي، أو مختصين آخرين في مجال الصحة النفسية الذين تلقوا التدريب المناسب لتشخيص ومعالجة الأمراض النفسية المختلفة.
يجري الطبيب النفسي مقابلة أُعدت خصيصًا بهدف تقييم الشخص وتحديد إذا كان يُعاني فعلًا من اضطراب نفسي، ويُحدد الطبيب المعالج تشخيصه وفقًا لتقرير المريض حول الأعراض التي تظهر لديه، بالإضافة إلى ذلك يقوم الطبيب بمراقبة المريض بهدف تشخيص تصرفاته.
يُحتّم تأكيد التشخيص بأن الشخص مصاب بمرض الفصام في حالة إظهار أعراض واضحة ومميزة للمرض لمدة لا تقل عن ستة أشهر.
علاج الفُصام
يهدف علاج الفصام إلى تقليل الأعراض، وتخفيف حدتها، وتقليص احتمال تكرار الفصام، أو رجوع الأعراض من جديد.
تشمل معالجة مرض الفصام ما يأتي:
1. المعالجة الدوائية (Medicine Therapy)
يتم إعطاء المريض أدوية خاصة تُناسب حالته وفقًا لرأي الطبيب المعالج.
2. المعالجة النفسية (Psychotherapy)
والتي تتكون من أجزاء عديدة ومتنوعة كالآتي:
    التأهيل (Rehabilitation): يتركز في تطوير المهارات الاجتماعية والتدريب المحترف لمساعدة المرضى على الاندماج وأداء مهامهم في المجتمع.
    المعالجة النفسية الفردية: تهدف إلى مساعدة المريض على فهم المرض الذي يُعاني منه بطريقة أفضل، ومساعدته على مواجهة المشكلة وحلها.
    المعالجة العائلية: مساعدة عائلة المريض على التعامل بشكل أفضل مع المريض، ومنحهم وسائل لمساعدته بأفضل الطرق وأكثرها فعالية.
    مجموعات الدعم والعلاج: تهدف إلى توفير دعم متبادل على أساس ثابت.
3. العلاج في المستشفى (Hospitalization)
العلاج في المستشفى يشمل الخيار الآتي:
    المعالجة بالصدمة الكهربائية (Electroconvulsive therapy - ECT).
    المعالجة الجراحية في نسيج الدماغ.
العلاج بالصدمة الكهربائية
الوقاية من الفُصام
لا يتوفر حتى اليوم علاج يُمكنه منع ظهور مرض الفصام، لكن تشخيص مرض الفصام في مرحلة مبكرة واعتماد العلاج المناسب يُمكن أن يُقلل من احتمال تكرار النوبات ومنع الحاجة إلى الرقود في المشفى، والتقليل من تشويش حياة المريض العادية في كنف عائلته وأصدقائه.


أخبار مرتبطة