تاريخ النشر 18 مارس 2015     بواسطة الدكتور محمد علي العدواني     المشاهدات 201

فحص سرطان القولون والمستقيم ينقذ الحياة

على الرغم من أن سرطان الرئة (عند الرجال) وسرطان الثدي (عند النساء) هما أكثر أنواع السرطان شيوعاً في سنغافورة، لكن في الواقع ان سرطان القولون والمستقيم هو الأكثر شيوعاً عند دمج الاحصاءات بين الرجال والنساء. وعلى الرغم من ذلك ، فان نسبة الإقبال على إجراء فحوص المنظار للقولون والمستقيم أقل بكثير
من نسبة الاقبال على إجراء صورة الثدي الشعاعية. مع العلم بأن سرطان القولون والمستقيم أوسرطان الأمعاء قابل للشفاء إن تم التشخيص مبكراً.ولو أن كل واحد منا يفحص القولون بالمنظار ولو مرة واحدة كل 3 أعوام ،
فأن نسبة الوفيات بسبب سرطان القولون والمستقيم ستتقلص بشكل كبيرجدآ. وان فقط عددا قليلا من المرضى سيضطر لإجراء جراحة في القولون والمستقيم ونسبة أقل من المرضى ستضطر لإجراء جراحة استئصال القولون.
فعملية استئصال القولون تتضمن وصل جزء من القولون بسطح جدار البطن، وبذلك يتم تشكيل فتحة في بطن المريض يتم عن طريقها طرح الفضلات الى الخارج الجسم . وقد تكون دائمة أو مؤقتة وذلك حسب الأسباب التي استدعت القيام بها.
فما سبب ابتعاد الناس عن القيام بفحص القولون والمستقيم؟
هناك ثلاثة أسباب لذلك ، تتلخص في ارتفاعالتكلفة وعدم استحسان الفحص بالمنظار بشكل عام ، ثم الرهبة من الإجراءات سواء التحضيرية أو أثناء المنظار.
ففي البداية وقبل إجراء منظار القولون يجب تنظيف الأمعاء. حيث يتعين على المريض في الليلة التي تسبق المنظار ان يشرب لترين من الماء الممزوج بمحلول كريه الطعم ، يسبب إسهالا شديداً. وبالتالي يتوجب استعمال المرحاض كثيرا ولفترات طويلة.
وفي منظار القولون يتم إدخال انبوب المنظار عبر فتحة الشرج وتمريره بحذر على طول المستقيم عبر القولون وصولاً إلى المصران الأعور ( نقطة التقاء الأمعاء الدقيقة مع الأمعاء الغليظة).ولايشعر المريض بأي ألم لأن الاجراء يتم عادة تحت التخدير الخفيف.
وحتى أبدأ بنفسي في ما أدعو إليه ، قررت – أنا شخصيا – قبل سنوات أن اخضع لمنظار القولون للمرة الأولى في حياتي. وكما كان متوقعاً ، فتحضير الأمعاء وتنظيفها لم يكن أمراً ممتعاً!!
وفي اليوم التالي مارست حياتي بشكل طبيعي وبدأت جولتي في المستشفى كالمعتاد حوالي الساعة السادسة والنصف صباحاً. وعند الثامنة صباحاً تلقيت اتصالاً هاتفياً من زميل لي، متخصص بجراحة المستقيم والقولون، يذكرني فيه بموعدي في قسم المناظير.
توجهت في الحال الى قسم المناظير ، وارتديت لباس المرضى واستلقيت على السرير. وقال لي صديقي اختصاصي التخدير ” الأمر بسيط ، ستشعر بوخزة ألم خفيفة أثناء مرور المخدر...” ... وغبت عن الوعي!! ولما افقت وجدت جرّاح “القولون والمستقيم” بجانبي ليقول لي بأن المسألة قد انتهت وكل شيء على ما يرام .
لقد كان الأمر بهذه البساطة !!
فنهضت على الفور وارتديت ثياب العمل وتابعت جولاتي وكأن شيئاً لم يكن.
فعلا – يمكن لهذا الاجراء البسيط أن ينقذ الكثير من الأرواح .
كل عام يتم تشخيص 2000 حالة جديدة من سرطان القولون والمستقيم. مع العلم بأن سرطان القولون والمستقيم لا يتطور بين ليلة وضحاها. ويعتقد أنه يحتاج لعامين أو أكثر على الأقل كي يتشكل. هذه السرطانات تبدأ على شكل تجمعات(كتل) حميدة تنمو على بطانة الأمعاء الداخلية. ويمكن كشف هذه الكتل بسهولة بواسطه منظار القولون ويمكن استئصالها في ذات الوقت بدون صعوبة تذكر. وبمجرد ازالتها تنعدم فرصة تحول تلك الكتل الحميدة إلى اورام سرطانية.
وأذكر اننا تعلمنا ، وعلى مر السنين، ان مهنة الطب لا تقتصر على معالجة الجسم فحسب ، بل هي أيضاً تحترم قرارات ورغبات المريض ، بمعنى انه يجب التعامل بحكمة مع رغبات وقرارات المريض ، حتى لو كانت في غير صالحه ، حيث أن اغفال ذلك ينتج عنه إحباط قد لا يحمد عقباه.
فقد كنت طيلة الأشهر الخمسة الماضية أعالج مريضا في السبعين من عمره ، مصابا بسرطان المستقيم منذ حوالي العام. والورم السرطاني عنده على بعد 4 سنتمترات تقريباً من فتحة الشرج. وهذا يعني اجراء جراحة إستئصال السرطان مع فتحة الشرج أيضاً.
ومعروف انه لن يتمكن – بعد الجراحة – من التحكم في عملية الاخراج ، ولذلك نقوم بعمل فتحة في سطح البطن يمكن عن طريقها التخلص من الفضلات في كيس خارج الجسم. حاولنا إقناع المريض بضرورة إجراء الجراحة لكنه رفض رفضاً قاطعاً. بل وتخلّف عن مواعيد المتابعة الدورية و بعد عدة أشهر ، لم يجد أمامه حلا سوى الرجوع الي ، ولكن للأسف بعدما أصبح يعاني من مشاكل في التبرز.
وبإجراء الفحوصات اللازمة ، أظهرت الآشعة المقطعية وجود ورم سرطاني في الرئة ، مما يدل أن السرطان قد انتشر بالفعل. ورغم ذلك ، فبعد بعد 6 مراحل من العلاج الكيميائي كانت نتائج التصوير طبيعية تماما ، وكان ذلك حقا – بفضل الله – أمراً عظيماً.
وفي أثناء ذلك كله ، كنت أقضي وقتاً طويلاً وأنا أشرح له الفوائد المحتملة للجراحة ، لكنه للأسف لم يقتنع البتة. فقد كان رجلاً قليل الكلام ، حيث قال لي: ” لا! وكلمة لا تعني لا!”
ولا شك ان الكثيرين يخشون ذلك الوضع الغير مريح ، ولكن في الواقع، ان وضع كيس للفضلات خارج الجسم ليس بالخطب الجلل. فالذين أجروا تلك الجراحة يخبروني أن في البداية قد يستغرق الامر بعض الوقت للتعود على الوضع الجديد ، ولكن بعد ذلك ، يصبح ببساطة أشبه بتغيير حفاض طفل.
وهناك في جمعية مرضى السرطان في سنغافورة مجموعة من المتطوعين ، ممن سبق أن أجروا تلك الجراحة ، يلتقون بالمرضى إما قبل أو بعد الجراحة لتقديم الدعم والارشاد النفسي – الاجتماعي.
وقد أعطيت هذا المريض رقم الخط الساخن لهذه المجموعة كي يتصل بهم. على أمل انه في هذه المرة يقتنع ويوافق على إجراء الجراحة ، بدلا من الموت البطيء بسبب سرطان المستقيم.
هذه هي الحلقة الأخيرة من سلسلة مؤلفة من 3 أجزاء عن أنواع السرطان التي تحتل المراتب الثلاث الأولى في سنغافورة: سرطان الرئة، سرطان الثدي ، وسرطان القولون والمستقيم.
د. أنج ، هو مدير مركز بارك واي لعلاج السرطان ويقوم بمعالجة مرضى السرطان منذ 20 عام تقريباً. في عام 1996 نال جائزة سنغافورة الوطنية للعلوم لمساهماته المتميزة في مجال البحث الطبي.
يتم سنوياً تشخيص 2000 حالة جديدة من سرطان القولون والمستقيم.


أخبار مرتبطة