تاريخ النشر 10 اغسطس 2015     بواسطة الدكتور سمير سلطان زمزمي     المشاهدات 201

أُهبَةُ التَّخَثُّر

أهبة التخثُّر (الاستعداد للتخثُّر) Thrombophilia هي حالةٌ تزداد فيها القابليَّة لتكوّن الجلطات الدموية. وهي ليست حالةً أو اضطراباً في حدِّ ذاتها، بل قد ترتبط أحياناً بتخثُّر الدم (الخُثار الوريدي) النَّاجم عن التَّغيُّرات الجينيَّة (الطفرات). إذا كان الشخصُ مُصاباً بأهبة التخثُّر، تزداد لديه
فُرص حدوث جلطة دمويَّة في أحد الأوعية الدمويَّة الكبيرة في الساق. ويُعرَفُ هذا بخُثار الأوردة العميقة Deep vein thrombosis (DVT).
ومن الضروري معرفة علامات الإصابة بخُثار الأوردة العميقة، مثل الألم غير المُفسَّر والتورُّم أو الإيلام في الساق (يكون في الربلة، أو بطَّة الساق، عادةً). ويجب على الشخص مراجعة الطبيب في أسرع وقتٍ ممكن إن كان يُعاني من هذه الأعراض.
عمليَّة تخثُّر الدم
عندَ الإصابة بجرح، يؤدي النَّزفُ الحاصل إلى تنشيط عددٍ من التفاعلات الكيميائيَّة في الدم.
تؤدِّي هذه التفاعلاتُ الكيميائيَّة إلى تشكُّل جلطة الدم، التي تلتصق بالجزء المُصابِ من الوعاء الدمويَّ، وذلك إلى جانب خلايا دمويَّة تُسمَّى الصُّفيحات Platelets.
تساعد عواملُ التخثُّر Clotting factors على ضبط النزف، وتعمل مع الصُّفيحات على ضمان تشكُّل الخثرة الدموية؛ غير أنَّه عندَ الإصابة بأهبة التخثُّر، يكون هناك عدمُ توازن في عوامل التخثُّر، ويكون لدى الشخص إمَّا زيادةٌ كبيرة في عوامل التخثُّر، أو نقصٌ شديد في العوامل التي تمنع التَّخثُّر.
أنواع الإصابة بأهبة التَّخثُّر
هناك العديدُ من أنواع الإصابة بأهبة التَّخثُّر. وفيما يلي بعض الأنواع الرئيسيَّة لها.
● أهبة التخثُّر بعامل ليدن الخامس
قد تنجم أهبةُ التخثُّر عن وجود ما يُسمَّى عامل ليدن الخامس Factor V Leiden لدى الشخص، وذلك بسبب طفرة جينيَّة محدَّدة.
تُعدُّ أهبةُ التخثُّر بعامل ليدن الخاسم النوعَ الأكثر شيوعاً من أنواع أهبة التَّخثُّر الموروثة، حيث يحمل حوالي 3-8% من الأوروبيين نسخةً واحدةً من طفرة عامل ليدن الخامس في كلِّ خليَّة، بينما يحمل شخصٌ واحد تقريباً من بين كلِّ خمسة آلاف نسختين من هذه الطفرة. وتكون هذه الطفرةُ أقلَّ شيوعاً عند الشعوب الأخرى.
يزيد عاملُ ليدن الخامس من خطر ظهور الإصابة بخُثار الأوردة العميقة، كما يزيد من خطر انفصال جلطات الدم من مواضعها الأصليَّة وانتقالها مع مجرى الدم لتستقرَّ في مناطقَ أخرى في الجسم.
قد يكون هذا خطيراً، لاسيَّما إذا ما انحشرت جلطةُ الدم في الشريان الرئيسي المُغذي للرئتين (الشريان الرئوي)، وهو ما يُعرف باسم الانصمام الرئوي Pulmonary embolism، وهو حالةٌ مُهدِّدة للحياة.
● أهبة التخثُّر بطفرة البروثرومبين 20210
تُعَدُّ طفرةُ البروثرومبين 20210، والمعروفة بطفرة العامل الثاني أيضاً، من الاضطرابات الدمويَّة الوراثيَّة الأخرى التي تزيد من خطر حدوث التَّجلُّط.
والبروثرومبين هو بروتينٌ موجود في الدم يُساعد على حدوث التخثُّر. ولكن، عندَ بعض الأشخاص، تحدث طفرةٌ في المورِّثة التي تُنتِجُ البروثرومبين، ممَّا يؤدِّي إلى زيادة في إفراز البروثرومبين، ومن ثَمَّ ازدياد قابليَّة تخثُّر الدم والإصابة بخُثار الأوردة العميقة.
وكما هي الحالُ مع عامل ليدن الخامس، فإنَّ طفرةَ البروثرومبين تكون أكثرَ شيوعاً عند الأشخاص البيض، وخصوصاً الأوروبيين.
● نقصُ البروتين C أو البروتين S أو مضاد الثرومبين
يُعَدُّ بروتين سي C وبروتين إس S ومضاد الثرومبين مُضادَّاتٍ تخثُّر طبيعيَّة؛ فإذا كانت مستوياتُ مضادَّات التخثُّر هذه منخفضة، أو أنَّها كانت لا تعمل بشكلٍ صحيح، فسوف يزداد خطرُ حدوث خُثار الأوردة العميقة أو الانصمام الرئوي.
قد تكون مشاكلُ البروتين سي أو البروتين إس أو مُضاد ثرومبين موروثة، إلا أنها نادرة عموماً.
● متلازمة أضداد الشحميات الفوسفوريَّة
تُعَدُّ متلازمة أضداد الشحميات الفوسفوريَّة Antiphospholipid syndrome، والمعروفة باسم متلازمة هوغيز Hughes syndrome أيضاً، من اضطرابات جهاز المناعة التي تزيد من مخاطر حدوث تجلُّط الدم.
حيث يقوم الجسمُ بإنتاج أضدادٍ تقوم بمهاجمة الشحميَّات الفوسفورية، والتي هي جزيئاتٌ دهنيَّة يُعتَقدُ أنَّها تُحافظ على لزوجة الدم المطلوبة.
تقترن الأضدادُ بالشحميَّات الفوسفورية، ممَّا يزيد من مخاطر حدوث جلطة دمويَّة في الوريد أو الشريان.
أعراض أهبة التَّخثُّر
تكون الإصابةُ بأهبة التَّخثُّر خفيفةً على الأغلب، وغالباً ما لا يُعاني الشخص من أيَّة مشاكلَ صحيَّة. ولا تظهر الأعراض إلاَّ إذا حدثت خثرة في الدم.
يكون الأشخاصُ المُصابونَ بأهبة التَّخثُّر مُعَرَّضين بشكلٍ خاصٍّ إلى حدوث خُثار الأوردة العميقة.
تشتمل المؤشِّراتُ التحذيريَّة للإصابة بخُثار الأوردة العميقة على ما يلي:
الشعور بألم وتورُّم وإيلام في إحدى الساقين (في بطّة الساق عادةً).
ألم شديد في المنطقة المُصابة.
الشعور بسخونة الجلد في منطقة وجود الخثرة.
احمرار الجلد، وخصوصاً في الجزء الخلفي من الساق تحت الركبة.
يُصيبُ خثارُ الأوردة العميقة ساقاً واحدةً عادةً، وإن لم يكن بشكلٍ دائمٍ. وقد يتفاقم الألمُ عند ثني القدم نحو الأعلى باتِّجاه الركبة.
قد ينفصل جزءٌ من الجلطة الدَّمويَّة في بعض الأحيان وينتقلَ بعيداً في مجرى الدم. وهذا ما يُعرَفُ بالانصمام Embolism.
يمكن أن يكونَ هذا الانصمامُ خطيراً إذا ما استقرَّ في الرئتين (الانصمام الرئوي)، وهي حالة خطيرةٌ قد تكون مهدِّدة للحياة، لأنَّها قد تمنع وصولَ الدم إلى الرئتين.
أعراض الانصمام الرئوي هي:
ألم في الصدر أو في أعلى الظهر.
ضيقُ النَّفَس.
السعال، ويكون جافَّاً عادةً، ولكنَّه قد يكون مُدَمَّى أو مُخاطيَّاً محتوياً على الدم.
الشعور بخفَّة في الرأس أو دوخة.
الإغماء.
يجب على الشخص مراجعة الطبيب فوراً إذا عانى من أكثر من عرض واحد ممَّا سبق، وأن يطلبَ الإسعاف إن كانت الأعراضُ شديدة.
تشخيص أهبة التَّخثُّر
لا يُجرى اختبارُ أهبة التَّخثُّر بشكلٍ روتيني لكلِّ المُصابينَ بالجلطة الدمويَّة.
وليس من الضروري عادةً إجراء اختبار أهبة التَّخثُّر الموروثة عند الأشخاص المُصابين بالخُثار الوريدي، لأنّ نتيجةَ الاختبار لا تؤثِّر في خطة العلاج عادةً؛ فمثلاً، ينبغي أن تُتَّخَذَ القراراتُ المُتعلِّقة بمدَّة العلاج بعدَ الأخذ بعين الاعتبار ما إذا كانت الإصابةُ بالخُثار الوريدي قد حصلت أم لا، وما إذا كانت لدى المريض عواملُ خطر أخرى، وما إذا كان لديه خطر حدوث النَّزف بسبب استعمال مضادَّات التَّخثُّر، وذلك بغضِّ النَّظر عن وجود إصابةٍ بأهبَّة التَّخثُّر الموروثة أو عدم وجودها.
تُشَخَّص الإصابةُ بأهبة التخثُّر عن طريق إجراء اختباراتٍ دمويَّة بعد مرور أسابيع أو أشهر من حدوث الجلطة. وتتحرَّى هذه الاختبارات عن العوز الحاصل في مُضاد التَّخثُّر. وينبغي قبلَ إجراء هذه الاختبارات الانتظار حتى إيقاف استعمال الأدوية المُضادة للتَّخثُّر عادةً، مثل وارفارين Warfarin، لمدَّةٍ تتراوح بين 4-6 أسابيع.
وإذا دلَّت نتائجُ الفحص الدموي على وجود إصابةٍ بأهبة التَّخثُّر، فقد يُحَوَّل المريضُ إلى طبيب اختصاصي في أمراض الدم.
علاج أهبة التخثُّر
قد لا تكون هناك ضرورةٌ للعلاج إن كانت الإصابةُ بأهبة التَّخثُّر خفيفة؛
فإذا ما أصيب الشخصُ بجلطة دَّمويَّة، فينبغي علاج الجلطة ووقاية المريض من حدوث المزيد من الجلطات. وقد تكون هناك حاجةٌ إلى استعمال أقراص الوارفارين Warfarin أو حُقَن الهيبارين Heparin.
الوارفارين Warfarin والهيبارين Heparin
يُعَدُّ الوارفارين Warfarin والهيبارين Heparin من مضادَّات التَّخثُّر؛ حيث إنَّهما يتدخَّلان في عمليَّة التَّخثُّر، ويُستَعملان في العلاج أو الوقاية من خُثار الأوردة العميقة والانصمام الرئويّ عادةً.
إن كانت هناك ضرورةٌ لاستعمال مضاد تخثُّر للوقاية من حدوث التَّجلُّط، فغالباً ما يصف الطبيبُ في هذه الحالة العلاجَ بالوارفارين Warfarin. ويستغرق هذا الدواءُ بضعةَ أيَّام قبل أن يُعطي الفعَّالية المطلوبة.
وإذا كان المريضُ بحاجة إلى علاج من إصابة حالية بالجلطة، فغالباً ما سيُعطى حقن الهيبارين Heparin (التي تُعطي فعاليةً مباشرةً)، بالإضافة إلى أقراص الوارفارين Warfarin خلال الأيَّام الأولى التي تتلو الإصابة. ويمكن إعطاءُ هذه الحقن في المستشفى أو في المنزل.
كما قد تُستَعمل حقنُ الهيبارين Heparin أيضاً للأشخاص المُصابين بمتلازمة أضداد الشحميَّات الفوسفورية، وذلك قبل وبعدَ إجراء الجراحة أو خلال فترة الحمل. وخلافاً للوارفارين، فاستعمالُ الهيبارين آمنٌ خلال فترة الحمل.
اختبار النسبة المعيارية الدولية للتخثُّر INR Test
سوف يقوم الطبيبُ في البداية بتعديل جرعة الوارفارين حتى لا يتخثَّرَ الدم بسهولة، ولكن ينبغي ألاَّ تكونَ جرعةُ الوارفارين مرتفعةً جدَّاً، لتجنُّب حدوث المشاكل النَّزفيَّة.
وسوف تكون هناك حاجةٌ إلى إجراء تحليلٍ دمويٍّ بشكلٍ مُنتَظم يُسمَّى اختبار النسبة المعيارية الدولية للتخثُّر International Normalised Ratio (INR)، لقياس قدرة الدم على التَّخثُّر خلال فترة استعمال الوارفارين.
وحالما يتمكَّن الطبيبُ من معرفة الجرعة المثالية للمريض، فسيقوم بخفض معدل إجراء الاختبار (يجب أن تتراوحَ نتيجةُ الاختبار بين 2-3 عادةً).
نصائح مُتعلِّقة بأسلوب الحياة
يجب على الشخص المُصاب بأهبة التَّخثُّر الاهتمام بمعرفة أعراض الجلطة الدَّمويَّة، وأن يراجعَ الطبيب في حال الاشتباه بظهور أيٍّ منها.
كما ينبغي عليه أيضاً اتِّباعُ الإجراءات الوقائيَّة التالية لخفض خطر حدوث الجلطات الدمويَّة:
إنقاص الوزن إن كان بديناً.
الإقلاع عن التدخين إن كان مُدخِّناً.
اتباع نظام غذائي صحِّي ومتوازن وممارسة الرياضة بشكلٍ منتظم.
تجنُّب الجلوس أو البقاء من دون حركة لفترات طويلة، لأنَّ هذا قد يُسبِّب الإصابةَ بخُثار الأوردة العميقة.
يجب على المرأة الحامل أو التي تُخطِّط لحملٍ، وهي مُصابةٌ بأهبة التَّخثُّر، أن تُناقشَ حالتها مع الطبيب، وأن تبلِّغَ القابلةَ واختصاصي التوليد عن ذلك أيضاً؛ فقد تكون هناك ضرورةٌ إلى استعمال جرعات قليلة من الأسبرين أو غيره من الأدوية المُضادَّة للتخثُّر خلال فترة الحمل، وذلك لتجنُّب المشاكل خلال الحمل أو الإجهاض.
كما ينبغي على المريض المُقبلِ على إجراء عمليَّةٍ  جراحية كبرى أن يحرصَ على إخبارِ الأطباء عن حالته؛ فقد تكون هناك ضرورةٌ إلى حقن الهيبارين لمنع تشكُّل الجلطة الدَّمويَّة.
ويجب على النساء المُصابات بأهبة التَّخثُّر تجنُّب استعمال حبوب منع الحمل أو العلاج التعويضي بالهرمونات، فمن شأن ذلك أن يزيدَ من خطر حدوث الجلطات الدمويَّة.
الأشخاص المؤهَّبون للإصابة بالجلطة الدمويَّة
قد يُصابُ أيُّ شخصٍ بالجلطة الدَّمويَّة، ولكنَّ الأشخاصَ الأكثرَ عُرضةً للخطر هم الذين يعانون من مشاكل صحِّية لفتراتٍ طويلة، وغير قادرين على التَّحرُّك كثيراً.
وكثيراً ما ترتبط الإصابةُ بالجلطات الدمويَّة بالرحلات الجوية لمسافاتٍ طويلةٍ أو باستعمال حبوب منع الحمل، كما تزداد فرصُ حدوث هذه الإصابة بعد الذهاب إلى المستشفى، حيث تحدث حوالي 66% من الجلطات الدمويَّة خلال فترة الإقامة في المستشفى أو بُعَيد مغادرتها.


أخبار مرتبطة