تاريخ النشر 3 سبتمبر 2015     بواسطة الدكتور محمد حبابي القحطاني     المشاهدات 201

شق الشفة وشق الحنك

هل كان هذا العيب الخلقي معروفا لدى الناس في العصور السابقة؟ كان المصاب بعيب شق الشفة يسمى بذي الشفة الأرنبية لأن شفته تكون مشقوقة ولدى العامة يسمونه بالأشرم أو شريم لأن شفته وأنفه مشرومين، أما من كان يعاني من شق في الحنك فقط فقد كان يعرف بالأخنف لأن الصوت ينتقل من الفم إلى الأنف فيخرج من أنفه
كصوت عميق فيه غنة.
في أوروبا أبان العصور الوسطى كان يعتقد أن المرأة الحامل إذا رأت أرنبا فإنها تتوحم عليه فيولد طفلها بشفة أرنبية ، وفي عهد أحد الملوك أصدر قرار محلي يمنع الجزارين من تعليق الأرانب على واجهة المحل وذلك خشية أن تمر امرأة حامل في السوق فيصاب جنينها بالشق الأرنبي أو الشفة الأرنبية!
لماذا — شق الشفة أو شق الحنك — وما هي أنواعه؟
يعتبر هذا النوع من التشوهات الخلقية عيبا بنيويا لأنه ناتج من عدم قدرة بعض النتوءات الأصلية أو النمائية الموجودة في منطقة الشق على الاندماج في فترة تكون الجنين وبالأخص في الأشهر الثلاثة الأولى من الحمل، وينتج عن ذلك خلل في بعض وظائف الجسم الفسيولوجية مثل السمع والنطق الصحيح والمضغ والبلع والنمو الطبيعي للفك العلوي والأعضاء المتعلقة به أو القريبة منه مثل الأنف وبالتالي المظهر العام للوجه إضافة إلى ما يسببه هذا العيب من تأثير نفسي على المصاب وأهله.
أنواعه:
تحدث المشكلة نتيجة عدم قدرة بعض النتوءات على الاندماج في المرحلة الجنينية، وعليه فانه يظهر لنا بأشكال متعددة معتمدة على نوع النتوء المتأثر، لذى يظهر لنا بالاشكال التالية:
o قد يصيب هذا العيب الخلقي الشفة العلوية فقط فيسمى شق الشفة أو الشفة الأرنبية أحادي أو ثنائي الجانب (أي أن يكون الشق على جانبي الشفة). 
o قد يصيب هذا العيب الخلقي الحنك فقط (سقف الفم) ويسمى شق سقف الحنك.
o قد يصيب هذا العيب الشفة والحنك ويسمى شق الشفة وسقف الحنك وفي بعض الحالات قد يمتد هذا الشق ويصل إلى شراع الحنك الرخو أو اللهاة.
ما هي نسب الإصابة بشق الشفة وسقف الحنك؟
في كل سبعمائة مولود يولد طفل بشق الشفة أو شق الحنك ،وقد أثبتت الإحصاءات أن 50% من إجمالي هذه الحالات بشق الشفة وسقف الحنك معا، بينما يشكل شق الشفة 25% من الحالات وكذلك 25% لشق السقف فقط. 
هذه النسبة تتزايد لدى بعض الأجناس وتبلغ أعلى النسب في الشعوب الشرق آسيوية بينما سجلت أقل نسبة لدى الأجناس الأفريقية، كما تعتبر الإصابة بشق الشفة أعلى لدى الذكور منها لدى الإناث والجهة اليسرى أكثر من اليمنى، أما بالنسبة لشق سقف الحنك فالعكس الصحيح حيث ترتفع الإصابة به لدى الإناث عن نسب الإصابة لدى الذكور.
ما هي أسباب ظهور هذا العيب الخلقي؟
لا يزال السبب الرئيسي لهذا العيب غير معروف لكن هناك العديد من الدراسات التي تؤكد أن هنالك عوامل وأسباب عديدة تلعب دورا رئيسا في الإصابة بهذا العيب الخلقي، وهي العوامل الوراثية والعوامل المكتسبة.
1. العوامل الوراثية: 
يعتبر العامل الوراثي عاملا مهما في الإصابة بهذا العيب وينتقل عبر الجينات الحاملة لهذا العيب من جيل لآخر وإذا كان أحد أفراد العائلة مصابا بهذا العيب فإن ذلك يزيد من احتمال الإصابة به في الأبناء ، وإذا تزوج شخص حامل لجين شق الشفة أو شق الحنك شخصا آخر جيناته تحمل نفس العيب فنسبة الإصابة بها ترتفع وتصل إلى 1 : 4 وتزيد النسبة عن ذلك في حالات زواج الأقارب.
2. العوامل المكتسبة:
وهذه تشتمل على تعرض الأم الحامل لبعض المؤثرات أو تناولها لبعض الأدوية أثناء فترة الحمل مثل:
o تناولها لدواء الثاليدومايد THALIDOMIDE ( ممنوع حالياً استخدامه في جميع انحاء العالم )
o تعرضها لأشعات قوية ومركزة تؤثر على تكون الجنين.
o دلت الدراسات والبحوث الطبية أن تناول الأم لدواء الكورتيزون خلال أشهر الحمل الأولى يزيد من احتمال إصابة الجنين بشق الشفة أو شق سقف الحنك.
o الإكثار من تناول فيتامين (A) أو تناوله بتركيز وكميات عالية يعرض الجنين للإصابة بهذا العيب الخلقي.
o التدخين وتعاطي الكحول والمخدرات 
o تناول الأدوية المضادة لصرع خلال فترة الحمل مثل الفينيتون PHENYTOIN 
o إصابة الأم بسكر الحمل وإهمال الحامل لعلاجه أو السيطرة عليه يؤثر على الجنين ويزيد من احتمال الإصابة بشق الشفة وشق سقف الحنك.
o الحمى أثناء فترة الحمل قد تؤثر على نمو الجنين وعلى اكتمال أعضائه أو التحامها وتشكلها بصورة طبيعية.
o بعض المسكنات والمهدئات والمضادات الحيوية قد تؤثر على النمو الطبيعي للجنين .
o نقص حمض الفوليك FOLIC ACID أثناء الحمل يؤثر على الجنين وقد يسبب نشوء هذا العيب.
المضاعفات المصاحبة لمثل هذه التشوهات:
o اختلال في وظيفة نفير أوستاك ( قناة اوستاك Austachian tube ) الموصلة بين الأذن الوسطى والبلعوم، مما يسبب التهابات متكررة في الأذن الوسطى إضافة إلى نقص واضح في درجة السمع.
o وجود شق في الحنك الرخو يؤدي إلى وجود عجز وشلل في حركة الحنك البلعومي مما يؤثر على قدرة جدار البلعوم والحنك الرخو على التلامس أثناء عملية البلع أو الكلام مما يمنع عملية الإغلاق العضلي المحكم بين البلعوم الأنفي والفمي وهذا يؤدي إلى خروج الكلام ومخارج الحروف من الأنف فيصبح الكلام غير واضح.
o يصاحب شق الشفة والحنك اضطراب وخلل في عدد وحجم وشكل وتكون الأسنان إضافة إلى اضطراب في بزوغ الأسنان اللبنية والدائمة ، كما أن الأسنان الرباعية العلوية عادة ما تكون مفقودة أو مشوهة في الأسنان اللبنية أو الدائمة كجزء من العيب الخلقي وذلك لأن مكان تكونها وبزوغها يكون عادة في مكان الشق ، كما تكثر معه نسبة الإصابة بنقص تصنع الميناء في الأسنان إضافة إلى صغر حجم الأسنان أو كبرها عن الحجم الطبيعي ، كما تحدث في بعض الحالات وجود بعض الأسنان الزائدة أو اندماج والتحام سنين مع بعضهما البعض خصوصا في الأسنان الأمامية مما يجعلها تبدو كأنها سن واحد كبير.
o قد تظهر عاهات جسدية أخرى على 5% من المصابين بشق الشفة والحنك مثل وجود عيوب خلقية في القلب كما قد يظهر شق الشفة والحنك لدى المصابين بمتلازمة (ستيكلر) ومتلازمة(أبيرت) ومتلازمة (كروزون).
كيفية العلاج:
يقول الأطباء والاختصاصيون أن نتائج العلاج تعتمد على درجة وتعقيد الشق وحجمه وعلى الوقت الذي بدأ فيه المصاب العلاج، فكلما كانت البداية مبكرة كلما كانت النتيجة أفضل.
متى يجب أن يبدأ العلاج؟ ومن الذي يقوم به؟
من المفترض أن يبدأ العلاج في الأسابيع الأولى من ولادة الطفل، وقبل الحديث عن كيفية العلاج لابد من التطرق إلى الفريق الطبي اللازم للعلاج وهو: أخصائي جراحة التجميل والوجه والفكين،أخصائي تقويم الأسنان،أخصائي الاستعاضة الصناعية ،أخصائي تقويم النطق ،أخصائي الأنف والأذن والحنجرة ،أخصائي علاج العصب والجذور ،أخصائي الأطفال ،الأخصائي النفسي والاجتماعي.
ما هي خطوات العلاج؟
أول أخصائي في الفريق يبدأ عمله هو جراح التجميل والذي يقوم بإغلاق شق الشفة ، وهذا التدخل الجراحي التجميلي يتم في المدة ما بين الشهر الأول إلى الشهر الثاني من عمر الطفل ، وإن كان بعض الجراحين يفضلون إغلاق الشق في الشهر الأول من عمر الطفل وذلك على اعتبار أن تحريك وإرجاع طليعة الفك العلوي إلى مكانها الصحيح والطبيعي يكون أسهل في الشهر الأول ومن الممكن أن يعمل الجراح على إصلاح أولى للأنف على أن تؤجل عملية تقويم الأنف إلى أن يتم معظم النمو الوجهي للطفل. 
أما إغلاق شق الحنك فيتم على مرحلتين في السنة الثانية من عمر الطفل وإن كان البعض يفضل إغلاقها في السنة الأولى من عمر الطفل، كما أثبتت الدراسات أن الإغلاق المبكر لشق الحنك يساعد الطفل على النطق الصحيح ويقلل من اضطرابات النطق لديه ، أما بالنسبة لشق الحنك الرخو فيفضل إغلاقه في السنة الأولى من عمر الطفل.
أخصائي التركيبات : إلى أن يتم التعديل والتصحيح الجراحي لهذه العيوب والشقوق الخلقية يقوم أخصائي التركيبات بصنع سدادة لشق الحنك OPTURATOR تصنع من مادة أكريليكية لسد الشق وبالتالي مساعدة الطفل على الرضاعة ، وتغير هذه السدادة مع نمو الطفل وذلك تبعا لتغير حجم وشكل الفم والفكين ، وعندما يبلغ الطفل السنة الثانية يصنع له أخصائي التركيبات والاستعاضة الصناعية السنية سدادة أخرى من الأكريليك والكروم أو الكوبالت لتساعده على تناول الطعام والنطق السليم ،كما أن بعضها قد يحتوي على بعض الأسنان البلاستيكية لمساعدة الأطفال الذين لديهم نقص خلقي في عدد الأسنان، وتعتبر هذه التركيبات المتحركة عاملا مهما في العلاج لأنها تساعد الرضيع على الرضاعة بشكل طبيعي والأطفال على تناول الطعام كما أنها تمنع دخول الطعام إلى الأنف أو مجرى التنفس ، وبالتالي تقلل من احتمال حدوث أية التهابات في منطقة الأنف والفم والأذن، إضافة إلى أهمية مثل هذه التركيبات في تحسين نطق الطفل وكذلك مظهره لأن بعض هذه التركيبات تلعب دورا تجميليا بدعمها للشفة وتعويضها للأسنان المفقودة خلقيا، ويجب التأكيد على ضرورة الاهتمام بنظافة مثل هذه التركيبات والعناية بها لأنها من الممكن أن تكون مكانا لتجمع البكتيريا والفطريات وقد يؤدي عدم تنظيفها إلى حدوث التهابات بكتيرية وفطرية داخل فم الطفل وإلى انبعاث رائحة كريهة (بخر) من فم الطفل نتيجة تحلل بقايا الطعام المتراكمة عليها.
أخصائي النطق:
وننتقل إلى دور أخصائي النطق الذي يعتبر أحد أهم أعضاء الفريق العلاجي ، وتبدأ جلسات علاج النطق مع بداية اكتساب الطفل للغة والنطق في السنة الثانية من عمره ، يستطيع من خلالها الأخصائي مساعدة الطفل على النطق السليم وإخراج الحروف من مخارجها بشكل صحيح خصوصا لدى الأطفال الذين لديهم شق في سقف الحنك لما يجدونه من صعوبة في إخراج الحروف ونطقها النطق الصحيح، فهم عادة يخرجون الأحرف من الأنف وهو ما يعرف بالخنف أو الطفل الأخنف ، فبسبب وجود الشق في الحنك يتسرب الهواء المصاحب للكلام من الفم إلى الأنف وهنا تبرز أهمية وضع التركيبة السادة لشق الحنك في منع تسرب الهواء أثناء الكلام.
ومشاكل السمع المصاحبة لهذا النوع من العيوب الخلقية تعيق الطفل عن النطق الصحيح ،وعادة ما يعاني الأطفال المصابين بهذا الشق من نقص جزئي إلى كلي في السمع ،يحتاج معها الطفل إلى استعمال سماعات الأذن وهنا يأتي دور أخصائي السمع وأخصائي الأنف والأذن والحنجرة في مراقبة حالة الطفل وتقييم درجة السمع لديه.
أخصائي تقويم الأسنان
أما أخصائي تقويم الأسنان فيبدأ عمله في نهاية المرحلة المختلطة للأسنان وهي المرحلة التي تجتمع فيها الأسنان اللبنية والدائمة ، وفي بعض الحالات قد يبدأ العلاج التقويمي للأسنان في مرحلة الأسنان اللبنية وذلك لتصحيح شذوذ العلاقة الجانبية للفكين، ويهدف العلاج التقويمي للأسنان إلى تصحيح علاقة الأسنان العلوية بالسفلية إضافة إلى رصف الأسنان في مكانها الطبيعي وتصحيح أوضاعها ، كما قد يلجأ إلى الجراحة التقويمية في الحالات التي يكون الفك العلوي فيها متقدما ويصعب إرجاعه بطرق التقويم الاعتيادية ، وقد يستعين أخصائي التقويم بالجراح لتصحيح بعض الخلل في الحنك العلوي وذلك بأخذ أجزاء من عظم الطفل وزراعتها في الفك العلوي لدعم الأسنان المتواجدة في منطقة الشق.
أما أخصائي علاج عصب الأسنان فيقوم بعلاج أعصاب الأسنان الموجودة في منطقة الشق خصوصا الثنيتين واللتين عادة ما يصاحبهما بعض الالتهابات والخراجات.
الدعم من الأخصائي الاجتماعي 
عادة ما يحتاج الوالدين لبعض الدعم من الأخصائي الاجتماعي خصوصا بعد معرفتهم بأن الطفل الذي ظلا ينتظران قدومه بفارغ الصبر لديه عيب خلقي، كما أن الطفل المصاب يحتاج إلى الكثير من الدعم النفسي والاجتماعي عن طريق الأخصائيين وذلك لما يتعرض له من ضغوط نفسية واجتماعية بسبب التشوهات الخلقية في وجهه وما يصاحبها من مشاكل في النطق والسمع والتي تعتبر من أهم العقبات التي تواجهه وتعيقه عن الاندماج في المجتمع بشكل صحيح.
العوائق والمصاعب التي قد يواجهها المصابون وأهاليهم:
o التكلفة العالية لمراحل العلاج 
o إطعام الطفل وإرضاعه والأدوات اللازمة لمساعدته على الرضاعة وتناول الطعام.
o العمليات الجراحية المتعددة التي يحتاجها المصاب والتي تختلف ،على حسب نوعية الشق ودرجة تعقيده.
o مواعيد العلاج المتكررة والتي تتطلب وعيا كاملا من قبل الوالدين بأهميتها وضرورة الالتزام بها وبانتظامها وكذلك الأمر بالنسبة لمواعيد المتابعة.
o العلاج التأهيلي الذي يحتاجه المصاب لمساعدته على النطق والذي يتطلب شجاعة من المصاب واهتماما كبيرا من الوالدين لتخطي الضغوط النفسية التي قد تصاحب الخطوات التأهيلية ،خصوصا في المراحل الأولى منه.
o طول مدة العلاج التي يحتاجها المصاب والتي تبدأ من الأسابيع الأولى من ولادتهم إلى الثامنة عشرة من عمرهم.
o قلة وضعف المعلومات المتوفرة لدى الأهل حول طبيعة هذه العيوب الخلقية والاستطبابات اللازمة لها.
o عدم وجود أماكن ومراكز متخصصة لاستقبال مثل هذه الحالات في المدن الصغيرة، والقرى والتي يكثر فيها زواج الأقارب.
o عدم قدرة الكثير من المستشفيات على تغطية بعض الاحتياجات المطلوبة لعلاج المصابين بمثل هذه العيوب الخلقية.
o صعوبة الحصول على المواعيد المتتابعة في المستشفيات الكبرى وتباعدها.
o عدم وجود مركز متخصص لعلاج مثل هذه العيوب قائم بذاته يستقبل المصابين بهذه العيوب و يتابع خطوات علاجهم، ويحصي نسب الإصابة به وأسبابها في المجتمع السعودي.


أخبار مرتبطة