تاريخ النشر 9 ديسمبر 2020     بواسطة البروفيسور مها عبداللة المنيف     المشاهدات 1

الفجوة بين الأجيال حوار يبحث عن بداية

فجوة كبيرة نشأت بين الجيل السابق الذي يتمسك بعاداته وتقاليده ومبادئه ويستنكر كل جديد يراه، وبين أبناء اليوم الرافضين لبعض الأفكار القديمة، ليتماشوا مع كل التطورات والتقنيات الحديثة والتغيرات التي تطرأ على المجتمع، فيواكبها أولا بأول، ما يعجز عنه الجيل الأكبر سناً، لتتسع بذلك الفجوة شيئا فشيئا،
وتنعدم لغة الحوار والتواصل بينهما .

التقينا نخبة من الأساتذة والمختصين من مختلف الجامعات أثناء مشاركتهم في مؤتمر الإرشاد العربي ،2011 الذي نظمته كليات التقنية العليا بالشارقة، لنتعرف إلى أسباب تلك الفجوة وكيفية التقريب بين الأجيال .
الدكتور فاكر الغرايبة أستاذ مساعد بقسم علم الاجتماع بجامعة الشارقة، ذكر أن الفجوة بين الأجيال في المجتمع العربي قائمة على عدم تفهم حاجيات الشباب، خاصة في ظل التطور الحاصل في العالم، وفي ظل عصر العولمة وتغير الاتجاهات بشكل عام، ويقول: المجتمعات العربية غير واعية للمتطلبات الجديدة للشاب العربي، وهذه المتطلبات تتمثل في الهوايات والطموحات وغيرها، وكما هو معروف فإن أكثر من مئة مليون شاب عربي قادرون على العطاء والإنجاز، إن تم الاستماع لهم بأذن واعية . ويضيف: إن لم يتم الاستفادة من قدرات هؤلاء الشباب، سيؤدي ذلك لتحفيزهم على الهجرة ما يسبب إرباكاً شديداً لمجتمعنا العربي وخسارة كبيرة في العقول والقدرات والطاقات التي يخسر عليها المجتمع العربي مبالغ طائلة، ويزيد ذلك بالتالي من حجم الفجوة التي تتسع يوما بعد يوم .

وذكر الدكتور الغرايبة أن الشباب في المجتمع الغربي أكثر استقراراً وشعوراً بالأمن ويقول: دليل ذلك عدم وجود ظاهرة الهجرة من أمريكا وبريطانيا مثلا إلى الوطن العربي . وعما إن كان السبب اقتصاديا يقول: لا، فدول الخليج مؤهلة اقتصادياً، ولكن الهجرة منها مستمرة، وهذا يوضح أن ما يحتاجه الشباب هو مزيد من الاهتمام بهم وإعطائهم الدور الحقيقي لتحقيق طموحاتهم، وعدم الاستهانة بهم وبقدراتهم، وذلك من خلال إشراكهم في المؤسسات المختلفة، والنظر في احتياجاتهم، ما يساعد على استقرارهم وتحقيق التوازن في المجتمع .

وترى الدكتورة داون ماكبرايد أخصائية نفسية معتمدة وأستاذة علم النفس بجامعة ليثبريدج وأستاذ مشارك في برنامج إرشاد الخريجين في كندا، أن العولمة تسببت في إحداث تغييرات كبيرة في المجتمع، إلى جانب الإعلام الذي اثر بشكل كبير في توسيع الفجوة بين جيل الأمس واليوم، وتقول: أصبح الناس اليوم أكثر وعياً ومقدرة على اكتساب معلومات وخيارات جديدة ومتنوعة، فجيل اليوم لديه حماس كبير تجاه كل تقنية جديدة، على عكس الأكبر سنا ممن لم تتوفر له تلك التقنيات، كما لم يتوفر له السفر والاستكشاف كاليوم، إضافة إلى وسائل الإعلام والقنوات الفضائية التي لم تكن متوافرة بالقدر الذي هي عليه في الوقت الحالي، كل هذا يجعل من الجيل الأكبر سناً يستنكر هذه الأمور التي لم يتعود عليها والتي يتعامل معها أبناء الجيل الحالي، ومن هنا نشأت الفجوة، حيث لم يتقبل الجيل الأكبر اللغة الجديدة التي يتعامل معها ويتحدث بها الجيل الجديد، كما استنكر الجيل الجديد رفض الجيل السابق لتلك اللغة .

وذكرت الدكتورة داون أن هذه الفجوة موجودة في العالم العربي أكثر من غيره، ويعود ذلك للتطور الاقتصادي الكبير والسريع، والذي أثر بالتالي في تغير ثقافة المجتمع .

وعن كيفية تقريب المسافات بين الأجيال، في محاولة لسد تلك الفجوة تقول: يبدأ ذلك عن طريق الحوار، الذي يعتبر الخطوة الأولى، فالطرفان شريكان في المسؤولية، وبما أن الكبير يمتلك الحكمة فليطوعها في التواصل مع الجيل الجديد، والمشاركة في التقرب من عالمه، كما على الجيل الجديد احترام الأكبر سناً وإعطاؤه الفرصة للحديث والاستماع له، وفي النهاية لا بد أن يتوصل الطرفان لحل يرضي كليهما لتلغى تلك الفجوة تدريجيا .

وأكدت الدكتورة نجوى عارف استشارية العلاقات الأسرية أن سبب الفجوة يعود للتكنولوجيا التي كانت متسارعة جداً في السنوات العشر الأخيرة، وتقول: كان هناك تغيير دائم، ولكنه غالبا ما كان يأتي ببطء، وما حدث أن هذا التغيير تسارع بدرجة كبيرة جداً في السنوات الأخيرة، لدرجة وصلت معها فئة الآباء لعدم القدرة على اللحاق بهذا التغيير وتأثيراته، وبالتالي لم تلحق بفئة الأبناء الذين كبروا على هذه التغيرات السريعة واقتنوها اولا بأول، لتنشأ فجوة بين الفئتين .

وتضيف: شعر الجيل الجديد بهذه الفجوة، فالآباء والأجدد أصبحوا بنظرهم أميين تكنولوجياً، ويستعينون بالأصغر سناً منهم في مجال التكنولوجيا، وهنا فقد الأبناء الكثير من الثقة بآبائهم وآرائهم ووجهات نظرهم، فلم يعودوا المصدر الوحيد للمعرفة، بل إنهم يجهلون ما يعرفه الأبناء .

وعن كيفية سد تلك الفجوة والتقريب بين الجيلين تقول:على الآباء أن يتابعوا هذا التقدم والتسارع في التكنولوجيا، ويتابعوا التغيرات التي تطرأ على حياة أبنائهم وأفكارهم، ولا يتقوقعوا على أنفسهم، ولا يتوقعوا أن يفهمهم أبناؤهم، بل عليهم أن يتماشوا مع عصر البناء، لأنه الواقع الذي يعيش فيه الجميع، والأهم من ذلك كله احترام عقلية الأبناء واحترام التقدم وعدم التقليل من قيمته وشأنه، بل تقديره واحترامه لأنه سمة العصر الحالي .

وأكدت الدكتورة نجوى أن لغة الحوار انعدمت بين الجيلين لتسارع الحياة، وزيادة الضغوطات والمسؤوليات على الأهل، فأصبحت الأسرة لا تجتمع على طاولة الطعام كالسابق، وأصبح هناك تلفزيون وجهاز كمبيوتر في كل غرفة ليصبح ذلك بديلاً عن التواصل مع الأسرة، وتزداد العزلة والغربة في البيت الواحد .

تحدث رامي خوري مدير معهد عصام فارس للسياسة العامة والشؤون الدولية في الجامعة الأمريكية في بيروت عن الفجوة بين الأجيال فقال: يشعر الشباب بالقلق بشأن عدد من القضايا التي يتحدثون عنها كلما سنحت لهم الفرصة، وإذا لم يجدوا المساحة والفرصة للحديث عما يشغل بالهم فإنهم يبحثون عنها خارج الأسرة، لأنهم يجدونها تلعب أدواراً متناقضة، فهي توفر لهم الرعاية والاطمئنان والأمان، ولكنها في الوقت نفسه تقيد قدرتهم على استكشاف مختلف أبعاد شخصياتهم ومواهبهم وحياتهم، ولهذا علاقة في شعورهم بالرغبة في الهجرة من البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل، فهم ربما يقلقون إزاء الحقوق أو الفرص، ما يزيد الفجوة بين الجيلين في مجتمعنا، كما أن هذا الجيل تتوافر لديه وسائل التواصل التي لم تتوافر للجيل السابق، كشبكة الانترنت، والهواتف المحمولة، والقنوات الفضائية، والتفاعلات داخل مختلف الهيئات والمؤسسات الدينية والاجتماعية والمدنية .

وذكرت الدكتورة مها عبدالله المنيف، الرئيسة التنفيذية لبرنامج حماية الأسرة في المملكة العربية السعودية، أن الفجوة بين الجيلين موجودة دائما على مدى العصور، ولكن الأسباب تختلف من عصر إلى آخر، وتقول: لتضييق الفجوة الحالية بين الجيلين يجب علينا أولا معرفة الأسباب التي أدت إليها، وأهمها أن الجيل الجديد متعدد الثقافات يتحدث بلغات عدة، أما القديم فهو أسير الثقافة المحلية، وهنا كان عليه أن يتقبل الثقافات الجديدة والمختلفة وينفتح عليها أكثر، ولا يرفضها تماماً، بل يأخذ منه ما يلائم مجتمعه وما يخلق لغة تواصل بينه وبين الجيل الجديد، إضافة إلى التكنولوجيا التي يبرع بها الشباب ويفتقر لها الجيل القديم، وعلى الجيل القديم أن يتفاعل معها ويحترمها ولا يستهين بها، فهي السمة الحالية للعصر .

وترى فدوى القرشي، أخصائية نفسية بكليات التقنية العليا في الشارقة، أن الفجوة عميقة جداً، خاصة في خضم العولمة، ونشأت بين جيل يتبع التقاليد ويعيش بها وعليها، وجيل تعرف إلى أشياء كثيرة وتفتحت عيونه على عالم مملوء بالتقنيات الحديثة والتغيرات السريعة، وتقول: اتسعت الفجوة بين الجيلين وخصوصاً حين تشبث هذا بتقاليده، ورغب ذاك بأن يساير انفتاح العالم على بعضه وتطبيق الخيارات الكثيرة أمامه، والمشكلة أن الجيل السابق يرى أن مسؤوليته تتمثل في المحافظة على التقاليد وحصر الشباب في قالب معين، أما الجيل الجديد فيرى أن من حقه أن يعيش ويجرب ما أمامه .

وعن حل هذه المشكلة تقول: للتقريب بين الجيلين يجب أن يكون هناك رغبة لدى كل منهما، وأن يفهم الطرفان أن أفكار ومبادئ الجيل القديم ليست بالية، كما أن أفكار الجيل الجديد ليست تافهة، ومن خلال الحوار يمكن أن نصل إلى مزيج لا انغلاق كبيراً فيه ولا انفتاحاً مؤذياً . وهي مسؤولية الطرفين معا، ولكن برأيي بما أن الشباب في طور النمو، فالمسؤولية الأكبر تقع على الأهالي، الذين يجب أن يعوا حقيقة تعرض الشباب لتطورات كبيرة ومختلفة وسريعة تجبرهم على التفاعل معها .

أما البروفيسور مالك البدري، أستاذ علم النفس في الجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا فيوضح أن الفجوة بين الأجيال موجودة، وسببها التغير الكبير الذي يحدث في المجتمع ككل،

ويضيف: تبدأ المشكلة حين ينظر الآباء لأبنائهم من خلال حياتهم هم كأطفال، غير مدركين لتطورات وتغيرات العصر، وغير مدركين لتغير الأخلاقيات والرؤى والطموح مع هذا التطور السريع، إلى جانب الهجرة من بلد إلى آخر التي زادت وعملت على توسيع الفجوة، ولسدها كان على الآباء والأمهات أولا أن يعلموا بوجود هذه الفجوة، وأن يكون لديهم تقبّل لهذا التغير، كما يجب على الأبناء أن يتقبلوا أفكار الآباء، وذلك من خلال الحوار المتبادل، وإظهار كل من الجيلين الاحترام للآخر .


أخبار مرتبطة