تاريخ النشر 25 أكتوبر 2014     بواسطة الدكتورة بلقيس عابد باخطمة     المشاهدات 201

المواسم وثقافتنا الاستهلاكية

مَن يلاحظ اندفاع الناس الاستهلاكي في الأيام التي تسبق حلول شهر رمضان، يخيل إليه أن القوم مقبلون على مجاعة أو حرب! صحيح أن للناس في كافة بقاع العالم مواسم مختلفة تحكمها عادات وتقاليد معينة، بيد أن المشاهد أن بعض الناس في مجتمعنا يفتقرون لقواعد التسوق الرشيد ويقعون فريسة مصائد استهلاكية وهمية. وا
لواقع تفكيك جوانب هذه الظاهرة يحتاج لمتخصصين في علوم شتى، منها الاقتصاد والتسويق وعلم النفس والاجتماع، وكذلك علم التغذية والأطعمة.
ولحُسن الطالع، كان أخي وزميلي الرقيق البروفيسور حسن الزهراني، استشاري جراحة الأوعية الدموية ورئيس قسم الجراحة في كلية الطب في جامعة الملك عبد العزيز، أهداني نسخة من كتاب " اقتصاديات الغذاء وترشيد الاستهلاك " ألفته حرمه الزميلة الدكتورة بلقيس باخطمة أستاذة التغذية وعلوم الأطعمة في كلية الاقتصاد المنزلي. وحرصت حينها على قراءته لكون موضوعه مناسبا لتوالى مواسم استهلاكية متعددة كموسم رمضان والعيد وبدء العام الدراسي. ووجدته كتابا مفيدا في مجاله، ومن كتب في موضوعه عندنا قليل على الرغم من حاجتنا المستمرة لدراسات عديدة تسلط الضوء على عاداتنا الاستهلاكية عامة والغذائية خاصة.
والكتاب يتميز بصياغته السلسة وأسلوبه الجذاب واحتوائه على مجموعة من الإرشادات والاستنتاجات والإحصاءات التي تجعل منه مرجعا مفيدا في موضوع اقتصاديات الأسرة وترشيد الاستهلاك. بل إن سلاسة الصياغة وطريقة عرض المعلومات تجعل منه دليلا عمليا لا تستغني عنه ربات البيوت لترشيد استهلاكهن، خاصة أن الدراسات العلمية أثبتت أن قرارات الاستهلاك المعتمدة على العواطف تزيد عند النسوة أكثر من الرجال، ما عدا في مجال شراء الأطعمة، حيث أثبت النسوة تعقلا وتدبرا أفضل من الرجال.
تتحدث الدكتور بلقيس في النصف الأول من كتابها عن أسباب زيادة الاستهلاك في مجتمعنا، وتعدد العوامل المختلفة التي تؤثر في القرارات الشرائية للمستهلكين. وتشرح العوامل التي أدت إلى تحول الأسر السعودية من أسر منتجة إلى مستهلكة، ثم تقترح الخطوات الواجب اتباعها لضبط الاستهلاك.
أما النصف الثاني من الكتاب فتخصصه المؤلفة للجوانب العملية في مسألة ترشيد الاستهلاك الغذائي. فتبين كيفية اختيار السلع الغذائية، وتعدد بتفصيل منظم ودقيق الطرق السليمة لكيفية شراء وتخزين مختلف أنواع الأغذية، وأساليب المحافظة عليها والانتفاع بها. ثم تقدم للقراء نصائح مفيدة في طرق التسوق الذكي وكيفية ترتيب شراء الحاجات بحسب أنواعها، ولا تنسى الإشارة إلى الطرق الصحيحة للتعامل مع العروض الخاصة التي تقدمها المحال التجارية، سواء من جهة الكمية أو الصلاحية. ثم تدلنا المؤلفة لكيفية قراءة بطاقات بيانات الأغذية وفحص الادعاءات الصحية لبعض الأغذية التي يدعيها المنتجون، ومدى مناسبتها للمستهلكين من حيث الطاقة الحرارية، ومستوى الدهون والكوليسترول، ونسب الملح (الصوديوم) والسكر فيها. ثم تبين أخيرا طريقة استيفاء احتياجات الجسم من البروتين، والطاقة والكربوهيدرات، والفيتامينات.
إن ثقافة الاستهلاك الحديثة لا تتحدد من خلال الممارسات المادية القائمة على فكرة التبادل العقلاني فحسب، بل غدت تتأثر بالأسلوب الذي تعرض به السلع لكي تبدو على نحو أفضل مما هي عليه في الواقع. ولذلك تنبهنا الدكتور بلقيس إلى أن التسوق ليس مجرد سلوك اقتصادي مادي، بل فيه جانب معنوي قد يطغى على الجانب المادي، عندما يتحول فعل الشراء عند بعض الناس إلى هدف ثانوي ويصبح الاستمتاع بعملية الشراء هو الهدف الأساسي. وعندها يقع المستهلك في مصيدة ما يسمى الاستهلاك البصري، حيث يصبح التجول في الأسواق عنده هدفا بحد ذاته. بل إن عادات الاستهلاك تتأثر أيضا بالجوانب الاجتماعية والرمزية. وعلى هذا ترتكز الإعلانات الحديثة التي تحاول أن تجعل الناس يربطون استهلاك السلع بنمط حياة معينة كحياة مشاهير رجال الأعمال أو السياسيين أو الرياضيين. أو تطبع في أذهان الناس أن استحواذ سلع ذات علامات تجارية معينة يحقق لهم إشباعا يجعلهم يتحدثون من خلال مظهرهم وملابسهم. فمن يلبس من طراز (ماركة) معينة يعطي انطباعا بانتمائه إلى طبقة اجتماعية معينة. وعندما تتضافر هذه الجوانب المادية والمعنوية والاجتماعية، فإنها تولد لدى الناس رغبة جامحة في التملك والشراء. وفي تصوري أن هذه الظاهرة ربما تزيد في المجتمعات التي لا تسود فيها القوانين الحامية لحقوق الناس، فتجد بعضهم يتخذون من هذه العادات الاستهلاكية أسلوبا من أساليب حماية ذواتهم.
هذه الحقائق تدل على أن الاستهلاك ثقافة! وأن رفع مستوى الوعي العام هي مسؤولية جماعية تبدأ مع الناشئة في مقتبل العمر. والفكرة هي أن على المستهلك الحذق أن يعرف أن امتلاك السلع ليس مرهونا بتوافرها أو بمجرد القدرة على امتلاكها، وإنما بمدى حاجته إليها وبما تضيفه لتحسين أدائه وعمله في الحياة.


أخبار مرتبطة